مخالف لما يشاهد من عمل علمائنا على عدم تقديم المخالف للأصل ، بل التخيير ، أو الرجوع إلى الأصل الذي هو وجوب الاحتياط عند الأخباريّين والبراءة عند المجتهدين حتى العلّامة ، مضافا إلى ذهاب جماعة من أصحابنا في المسألتين إلى التخيير.
ويمكن أن يقال : إنّ مرادهم من الأصل في الناقل والمقرّر أصالة البراءة من الوجوب لا أصالة الإباحة ، فيفارق مسألة تعارض المبيح والحاظر ، وأنّ حكم أصحابنا بالتخيير أو الاحتياط لأجل الاخبار الواردة ، لا لمقتضى نفس مدلولي الخبرين من حيث هما فيفارق
____________________________________
(كما أنّ قول الأكثر فيهما مخالف لما يشاهد من عمل علمائنا على عدم تقديم المخالف للأصل ، بل التخيير ، أو الرجوع إلى الاصل الذي هو وجوب الاحتياط عند الأخباريّين والبراءة عند المجتهدين).
فيرجع الإيراد الثاني إلى مخالفة قولهم لعملهم ، والتنافي بين القول والعمل لا ينبغي من الجاهلين المؤدّبين فضلا عن الفقهاء المجتهدين.
ومنها : ما أشار إليه بقوله :
(مضافا إلى ذهاب جماعة من أصحابنا في المسألتين إلى التخيير).
وحاصل هذا الإيراد هو ردّ حصر قول الأصحاب في القولين المذكورين في كلتا المسألتين ، لأنّ جماعة منهم لم يقولوا في المسألة الاولى بتقديم الناقل ولا في الثانية بتقديم الحاظر ، وهكذا لم يقولوا في المسألة الاولى بتقديم المقرّر ولا في الثانية بتقديم المبيح ، بل ذهبوا فيهما إلى التخيير ، فحصر قولهم في المسألتين في قولين ليس في محلّه.
(ويمكن أن يقال : إنّ مرادهم من الأصل في) مسألة(الناقل والمقرّر أصالة البراءة من الوجوب لا أصالة الإباحة ... إلى آخره).
أي : ويمكن الجواب عن الإيراد الأوّل بالفرق بين المسألة الاولى والثانية ، بأنّ الشبهة في المسألة الاولى وجوبيّة وفي المسألة الثانية تحريميّة.
فحينئذ لا يتنافى الخلاف في الاولى مع الوفاق في الثانية على فرض الوفاق فيها ، وعلى تقدير عدم الاتّفاق في المسألة الثانية ـ كما هو كذلك ـ فلا إشكال في الأوّل.
والجواب عن الإيراد الثاني قد أشار إليه بقوله :
(وأنّ حكم أصحابنا بالتخيير أو الاحتياط لأجل الأخبار الواردة ... إلى آخره).