حديثين مختلفين فقسهما على كتاب الله وأحاديثنا ، فإن أشبههما فهو حقّ ، وإن لم يشبههما فهو باطل) (١) فإنّه لا توجيه لهاتين القضيّتين ، إلّا ما ذكرنا من إرادة الأبعديّة عن الباطل والأقربيّة إليه.
ومنها : قوله عليهالسلام : (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) (٢) دلّ على أنّه إذا دار الأمر بين أمرين في
____________________________________
أقرب إلى الباطل والمخالف أبعد عن الباطل.
وعلى فرض كون بطلان أحكامهم غالبيّا لا يكون المخالف ـ أيضا ـ أقرب إلى الحقّ ، لأنّ خلافهم لا ينحصر في خصوص الخبر المخالف ، كما يأتي توضيحه في محلّه ، فغاية الأمر كونه أبعد عن الباطل ، فيفيد التعليل ـ أعني : لأن الرشد في خلافهم (٣) ـ الترجيح بكلّ ما يوجب الأبعديّة عن الباطل ، فحينئذ يكون هذا التعليل موافقا للتعليل السابق ، إذ المعنى وجوب ترجيح الخبر المخالف لهم ، لكونه أبعد عن الباطل ، كما كان المعنى وجوب ترجيح الخبر المشهور ، لكونه أبعد عن الريب ، أعني : الباطل.
كما يدلّ عليه ، أي : على وجوب الترجيح بمجرّد الأبعديّة عن الباطل قوله عليهالسلام : (ما جاءكم عنّا من حديثين مختلفين فقسهما على كتاب الله وأحاديثنا ، فإن أشبههما فهو حقّ) ، أي : أبعد عن الباطل.
وإن لم يشبههما فهو باطل ، أي : أقرب إلى الباطل ، كما قال : فإنّه لا توجيه لهاتين القضيّتين ، إلّا ما ذكرنا من إرادة الأبعديّة عن الباطل والأقربيّة إليه ، نظرا إلى أنّه يستشمّ من لفظ المشابهة هذا المعنى.
وفيه : إنّ المراد من مشابهة الخبر بالكتاب والسنّة تفرّعه على الاصول والقواعد المسلّمة المستفادة منهما ، فمفادها مفاد الموافقة للكتاب والسنّة. هذا تمام الكلام في الوجه الثالث.
أمّا الوجه الرابع ، فقد أشار إليه بقوله : ومنها : قوله عليهالسلام : دع ما يريبك إلى ما لا
__________________
(١) تفسير العياشي ١ : ٢ / ٧. الوسائل ٢٧ : ١٢٣ ، أبواب صفات القاضي ب ٩ ، ح ٤٨.
(٢) غوالي اللآلئ ١ : ٣٩٤ / ٤٠ ، المعجم الكبير ٢٢ : ١٤٧ / ٣٩٩. الوسائل ٢٧ : ١٦٧ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٤٣.
(٣) الكافي ١ : ٨. الوسائل ٢٧ : ١١٢ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ١٩.