وكذا الكلام في الظاهر والأظهر ، فإنّ دليل حجّيّة الأظهر يجعل قرينة صارفة عن إرادة الظاهر ، ولا يمكن طرحه لأجل أصالة الظهور ولا طرح ظهوره لظهور الظاهر فتعيّن العمل به وتأويل الظاهر منهما ، وقد تقدّم في إبطال الجمع بين الدليلين ما يوضح ذلك.
____________________________________
توضيح ذلك أنّ سند الظاهر ـ أعني : قوله أكرم العلماء ـ لا يزاحم ظهوره ولا سند النصّ ـ أعني : لا تكرم النحاة ـ ولا دلالته ، والكلّ بديهي كما مرّ غير مرّة ، وإنّما يزاحم ظهور الظاهر سند النصّ ، أي : يدور الأمر بين التعبّد بظهور الظاهر ، والحكم بوجوب إكرام كلّ عالم وطرح سند النصّ ، أي : طرح لا تكرم النحاة ، وبين العكس.
وحيث إنّ التعبّد بالظهور معلّق على عدم القرينة الصارفة ودلالة النصّ تصلح صارفة له ، يكون دليل التعبّد بسند النصّ حاكما على دليل التعبّد بالظهور ، وهذا معنى ما ذكره المصنف قدسسره من ارتفاع الأصل بالدليل ، فيؤخذ بسندهما ويجمع بينهما بحمل الظاهر على النصّ.
قال التنكابني في المقام ما هذا لفظه : لا يخفى أنّ كلّ واحد من أصالة التعبّد بالصدور وأصالة التعبّد بالظهور دليل وأصل لفظي لا تقدّم لأحدهما على الآخر ، من جهة كون أحدهما أصلا والآخر دليلا ، إلّا أنّ أصل التعبّد بالصدور أصل سببي وأصل التعبّد بالظهور أصل مسبّبي ، فيكون التقدّم من هذه الجهة لا من جهة ما ذكر.
ولعلّ المصنف أراد أنّه بمنزلة الدليل في تقدّمه على أصالة الظهور وأنّها بمنزلة الأصل العملي في تأخّرها ، وليس المقصود من قوله : ومن المعلوم ارتفاع الأصل بالدليل ، أي : ليس المقصود من هذا الكلام ورود النصّ الظنّي السند على الظاهر إذ قد صرّح المصنف قدسسره سابقا بأنّ النصّ لا يكون واردا على الظاهر ، إلّا إذا كان قطعيّا من جميع الجهات ، بل المقصود الارتفاع حكما. انتهى مورد الحاجة من كلامه.
وكذا الكلام في الظاهر والأظهر.
مثل يجب غسل الجمعة وينبغي غسل الجمعة ، حيث يكون الأوّل أظهر في الوجوب والثاني ظاهرا في الندب ، فيتقدّم الأظهر على الظاهر ؛ لأن حجّيّة ظهور «ينبغي» معلّق على عدم القرينة الصارفة ، وظهور قوله : «يجب» يصلح بنظر العرف قرينة صارفة له ، كما أشار إليه بقوله :
فإنّ دليل حجّيّة الأظهر يجعل قرينة صارفة عن إرادة الظاهر ، ولا يمكن طرحه لأجل