ولذا ذكروا : إنّ التعارض تنافي مدلولي الدليلين على وجه التناقض أو التضادّ.
____________________________________
في جهتهما ، إذ ربّما يحصل القطع بصدورهما لا لتقيّة أصلا ، والتنافي في الدلالة يكون من جهة التنافي في المدلول ، لا أنّه لا يعقل التنافي في دلالتهما كما في شرح الاعتمادي.
والشاهد على تصوّر تنافيهما بحسب الدلالة هو عدول صاحب الكفاية عن تعريف المصنف قدسسره ـ وهو المشهور ـ إلى تعريفه بتنافيهما في مرحلة الدلالة ومقام الإثبات من حيث عرض كلّ من الدليلين نفسه لدليل الاعتبار في مقام الحجيّة فيكون اتّصاف الدليلين بالتنافي المزبور من باب وصف الشيء بحال نفسه لا بحال متعلّقه ، لأنّ التنافي ـ حينئذ ـ قائم بنفس الدليلين بلا رعاية عناية أصلا ، وهذا بخلاف تعريف المشهور حيث يكون توصيف الدليلين بالتنافي من باب وصف الشيء بحال متعلّقه ، حيث إنّ التنافي المزبور قائم حقيقة بنفس المدلولين بلا مساس بالدليل بما هو دليل ، إلّا بنحو من العناية باعتبار أنّ الحاكي عن المتنافيين كأنّه عين المحكي ، فيحصل التنافي بين الحاكيين أيضا.
ثم التنافي بين الدليلين باعتبار مدلولهما يمكن أن يكون على وجه التناقض ويمكن أن يكون على وجه التضادّ ، كما أشار إليه بقوله :
ولذا ذكروا : إن التعارض تنافي مدلولي الدليلين على وجه التناقض.
كما إذا دلّ أحد الدليلين على وجوب شيء والآخر على عدم وجوبه ، نحو : يجب إكرام العالم و : لا يجب إكرام العالم.
أو التضادّ.
كما إذا دلّ أحدهما على وجوب شيء والآخر على حرمته ، نحو : أكرم العالم ، و : لا تكرم العالم ، بناء على الأمر حقيقة في الوجوب والنهي في الحرمة ، ويرجع التضادّ إلى التناقض نظرا إلى الدلالة الالتزامية ، إذ الدليل على الوجوب ينفي الحرمة بالالتزام وبالعكس ، لأنّ الوجوب يستلزم عدم الحرمة والحرمة تستلزم عدم الوجوب ، فمفاد المتضادّين هو الوجوب وعدمه والحرمة وعدمها ، غاية الأمر يدلّ الدليل الدالّ على الوجوب عليه بالمطابقة ودليل الحرمة على عدم الوجوب بالالتزام ، وكذا في جانب دليل الحرمة حيث يدلّ عليها بالمطابقة ودليل الوجوب يدلّ على عدمهما بالالتزام ، فحينئذ يصحّ أن يقال بأنّ التعارض هو تنافي مدلولي الدليلين بالتناقض ، غاية الأمر أنّ التناقض