وقال الباقر عليهالسلام : « لو كنّا نفتي الناس برأينا لكنّا من الهالكين ، ولكنّا نفتيهم بآثار من رسول اللّه صلىاللهعليهوآله يتوارثها كابر عن كابر » (١) ، وما بهذا المعنى كثير فوق التواتر .
وبالجملة : كان مناط جميع أقوالهم وأفعالهم علماً قطعيّاً ، واصلاً إليهم من اللّه تعالى كتاباً وسماعاً ، على ما سيأتي بيانه في فصل علومهم وغيره ، ولهذا ليس لأحد شبهة في أنّ كلّ واحد منهم كان طول زمانه فائقاً على جميع أهل عصره في العلم والورع والصدق والسداد ، بحيث كان مرجع العلماء في كلّ مكان ، ولم يعجز عن مناظرة وسؤال كلّ ما كان ، حتّى أنّه قد كتب المخالف والمؤالف في مناقبهم ، مع كثرة أعدائهم وحُسّادهم من الخلفاء وغيرهم ما ملأ الخافقين ، وكثرت أتباعهم ورُواة الأخبار عنهم ، مع شدّة الخوف والتقيّة من مخالفيهم ، وإخفاء مذهبهم عن أعاديهم ، بحيث لم يبق موضع خالياً عنهم فيما بين المشرقين.
وفي الحقيقة هذه معجزة ظاهرة ، وآية باهرة عند أصحاب البصيرة ، حيث لم يتّفق أبداً في غيرهم دوام هذه الفضائل الجليلة بالخصوص بمثل هذا الترتيب المخصوص ، ومن ثَمَّ صار صريح خلاصة مذهب الفرقة المذكورة أنّ هؤلاء الأئمّة الأوصياء المعلومين كلّهم حجج اللّه على الخلق أجمعين إلى يوم الدين ، بمثل ما كان كذلك جدّهم سيّد المرسلين صلىاللهعليهوآله لا يجوز إلاّ الأخذ منهم وأتباعهم في القول والفعل والتقرير ، وعدم مخالفتهم بوجه ولو في أمر صغير ، بل ولو قال بخلافهم كلّ صاحب قيل مستمسكاً بزعمه بأقوى كلّ دليل ؛ إذ لا رأي بعد البيان ، ولا ظنّ كالعيان ؛
__________________
(١) بصائر الدرجات : ٣٢٠ / ٤ و٦ بتفاوت يسير .