على فتح البلاد ، وتسخير العباد ، وحيازة الأموال ، والدخول في الأعمال وأمثالها من الأشغال ، منعهم ذلك ، لا سيّما بعد زوال جمّة من عرفاء الصحابة بسبب الحروب وغيرها عن محافظة كثير من سنن النبيّ صلىاللهعليهوآله ، بل أكثرها وعامّة الأحكام المأخوذة منه ، كما ينادي بذلك كلام نقلة أحوال الصحابة والتابعين ، بل كفى في هذا اختلافهم في أكثر متعلّقات أمثال الصلاة والأذان ونحوهما التي كانت تصدر منه كلّ يوم مراراً على رؤوس الأشهاد ، حتّى نقل جمع من المخالفين صريحاً أنّ أنس بن مالك كان يبكي في الأواخر ويقول : لم يبق ممّا كان في زمن النبيّ صلىاللهعليهوآله غير هذه الصلاة ، وهي أيضاً قد ضُيّعت وغيّرت (١) .
ولهذا لمّا التفتوا أخيراً إلى تنقيح المسائل الشرعيّة ، وتحقيق المعالم الدينيّة ، لم يجدوا إلاّ قليلاً من المسائل المعلومة من محكمات القرآن والسنّة الثابتة من سيّد الإنس والجانّ ، فاضطرّ جماعة ممّن زعم أنّه من أهل العلم والفهم إلى استنباط سائر المسائل الواردة عليهم ـ ممّا لم يجدوا منه بُدّاً ، فظنّوه مستنداً ـ من محتملات المتشابهات ، ومفترعات الروايات ، ومخترعات أوهامهم الكاسدة ، وآرائهم الفاسدة ، وقياسات عقولهم الناقصة الشيطانيّة التي لا مدخل لشيء منها ـ كما مرّ ويأتي ـ في الاُمور الشرعيّة ، وكلّ واحد منها بمعزل عن استعلام الأحكام الإلهيّة السماعيّة ، فاختار كلّ فريق منهم برأيه طريقاً ، وزعموه ركناً وثيقاً ، فحصل بذلك ما هو دائر بين الناس من الاختلاف ، وشاع بينهم النزاع والخلاف ؛ بحيث انجرّ إلى تضليل بعضهم بعضاً ، بل تكفيرهم ، كما في الحديث الذي مرّ سابقاً ممّا رواه
__________________
(١) انظر : الطرائف ٢ : ٧١ ، الصراط المستقيم ٣ : ٢٣١ ، صحيح البخاري ١ : ١٤١ ، تهذيب الكمال ١٩ : ٣٦٧ ذيل الرقم ٣٨٠٩ .