ولا أحد منهما سبب الاختلاف ، حتّى لا يكونا معذورين ، بل إنّما سبب ذلك والتقصير التامّ من الذين صاروا سبب ضعف الإمام عليهالسلام ، حتّى ألجأوا إلى هذا النوع من الكلام .
ولهذا قال من قال من الإماميّة : إنّ اختلاف أصحابنا ليس باختلاف حقيقةً ، بل لا خلاف بينهم أصلاً ؛ إذ كلٌّ منهم متمسّك بما هو حجّة في حقّه قطعاً (١) ، كما أنّ مثله كان متداولاً في زمان النبيّ صلىاللهعليهوآله بلا طعن ولا كلام ؛ إذ كثيراً ما كان ينزل حكماً ، ثمّ ينسخ إلى غيره ، فكان من لم يدر بالناسخ عاملاً بالمنسوخ ، وغيره بالناسخ ، وكذلك كان النبيّ صلىاللهعليهوآله قد يجيب سائلاً (عن شيء) (٢) على وفق مقتضى حال ذلك السائل ، أو على وجه الرخصة ، أو نحو ذلك ، ويجيب غيره في ذلك الشيء بعينه بخلاف الأوّل ؛ لملاحظة حال هذا الغير ، أو على جهة الأفضليّة أو نحو ذلك ، وكان كلٌّ يعمل على وفق جوابه ولم يُعدّ أحد منهما مخالفاً للحقّ ، حتّى أنّه ربّما كان بعض من السائلين أو الحاضرين يفهم من اللفظ ما لم يروه سيّد المرسلين ، فكان يعمل على وفق فهمه إلى أن يظهر عليه خلافه من غير مؤاخذة على ذلك ولا معاتبة .
نعم ، كانت المعاتبة والمخالفة في العمل بعد ظهور الحال ، أو بمحض الرأي من غير سؤال ، فهكذا أيضاً شأن الأئمّة عليهمالسلام وأصحابهم وسائر فقهائهم في هذه الأحوال .
فتأمّل صادقاً ، لا سيّما فيما ذكرناه آنفاً ، حتّى يتبيّن لك عياناً عدم
__________________
(١) ورد ما بمضمونه في الحدائق الناضرة ٦ : ١٤٢ ، والاُصول الأصيلة للفيض الكاشاني : ١٠٦ .
(٢) ما بين القوسين لم يرد في « ن » .