ورود طعن على الإماميّة أصلاً من جهة السبب الآخر الذي وقع به الاختلاف بينهم أيضاً ، أي : من حيث فهم معاني الأخبار ومحاملها ، والجمع بينها ، والتفحّص عن مواردها سنداً ومتناً ، وعموماً وخصوصاً ، ومطلقاً ومقيّداً ، ومجملاً ومفصّلاً (١) ، وأمثال ذلك ممّا ذُكر في علم الدراية .
ثمّ تدبّر متبصّراً وتفكّر جدّاً فيما بيّنّاه من المرام في هذا المقام ، حتّى يظهر لك أيضاً معنى الحديث الذي ذكره المخالفون في كتبهم ، واستندوا إليه في ترويج ضلالهم وبدعهم ، حيث رووا عن النبيّ صلىاللهعليهوآله ـ كما سيأتي ـ أنّه قال : « إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران ، وإن أخطأ فله أجر واحد » (٢) فإنّ الحقّ إن كان الخبر صحيحاً أن يحمل المراد بالاجتهاد بذل الجهد في فهم ما ورد عن اللّه ورسوله صلىاللهعليهوآله ، حتّى يفهمه على ما هو حقّه بنحو ما أشرنا إليه ، دون أن يكون المراد أنّ كلّ من اختار شيئاً بخياله وأفتى في الدين برأيه فله الأجر ، فافهم .
على أنّ الأئمّة عليهمالسلام قنّنوا لشيعتهم قانوناً ضابطاً للعمل بما ورد من رواياتهم ، رافعاً لما يتوهّم من نقص الاختلاف عن رُواتهم ، رحمةً من اللّه تعالى ولطفاً على هذه الطائفة التي اقتضت حكمة اللّه عزوجل أن يكونوا هم وأئمّتهم في مدّة مديدة مبتلين بمخالطة مخالفيهم ، وحسن ظاهر السلوك فيهم ، وستر الدين عن أعاديهم ، وبالمداراة معهم بالتقيّة والكتمان ، والصبر على الأذى ، وإخفاء معالم الإيمان ، كما كان كذلك حال بني إسرائيل وقوم فرعون وهامان ، بل كان هكذا شأن أهل الحقّ والباطل في كلّ
__________________
(١) في « م » : «مبيّناً» بدل «مفصّلاً» .
(٢) انظر : مسند أحمد ٤ : ٢٢٢ / ١٧٣٢٠ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٧٦ / ٢٣١٤ ، صحيح مسلم ٣ : ١٣٤٢ / ١٧١٦ .