والذي فهمته من كلامه في الكتابين : أنّه يقول بعدم الانفعال بمجرّد الملاقاة ، لكنّه يوجب النزح ، فالمستعمل لمائها بعد ملاقاة النجاسة له وقبل العلم بها لا يجب عليه الإعادة أصلا ، سواء في ذلك الوضوء والصلاة وغسل النجاسات وغيرها. والمستعمل له بعد العلم بالملاقاة يلزمه إعادة الوضوء والصلاة ؛ لأنّه منهي عن استعماله قبل النزح. والنهي يفسد العبادة ، فيقع الوضوء فاسدا ، ويتبعه فساد الصلاة. وكذا غيرهما من العبادات المترتّبة على استعماله.
وهو وإن لم يذكر في كلامه غير الوضوء والصلاة إلّا أنّ تعليله يقتضيه.
وإنّما خصّ الوضوء والصلاة بالذّكر ؛ لأنّه ذكر الأخبار الدالّة على عدم وجوب إعادتهما حيث يكون الاستعمال قبل العلم بالنجاسة ، وأراد بيان عدم منافاتهما لما صار إليه من وجوب النزح. فراجع كلامه وتدبّره.
إذا عرفت هذا فاعلم : أنّ جمهور الذاهبين إلى انفعاله بالملاقاة لم يفرّقوا بين قليل الماء وكثيره.
وحكي عن الشيخ أبي الحسن محمد بن محمد البصروي القول باختصاص الانفعال بما نقص منه عن الكرّ ، فما يبلغه لا ينجس إلّا بالتغيّر.
والأقرب عندي أنّه لا ينجس بدون التغيّر مطلقا.
لنا الأصل. وما رواه الشيخ في الاستبصار عن محمّد بن اسماعيل في الصحيح عن الرضا عليهالسلام قال : « ماء البئر واسع لا يفسده شيء إلّا أن يتغيّر ريحه أو طعمه ، فينزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه ؛ لأنّ له مادة » (١).
ورواه في التهذيب عن محمّد بن اسماعيل بن بزيع في الصحيح أيضا قال : كتبت إلى رجل أسأله أن يسأل أبا الحسن الرضا عليهالسلام فقال : « ماء البئر واسع » ،
__________________
(١) الاستبصار ١ : ٣٣ ، الحديث ٨.