فصل
[ وجه الحاجة إلى الفقه ]
الحق عندنا : أنّ الله تعالى ، إنّما فعل الأشياء المحكمة المتقنة لغرض وغاية ، ولا ريب أن نوع الإنسان أشرف ما في العالم السفلي من الأجسام ، فيلزم تعلق الغرض بخلقه.
ولا يمكن أن يكون ذلك الغرض حصول ضرر له ؛ إذ هذا إنّما يقع من الجاهل ، أو المحتاج ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا ، فتعيّن أن يكون هو النفع.
ولا يجوز أن يعود إليه سبحانه ، لاستغنائه وكماله ، فلا بدّ أن يكون عائدا إلى العبد.
وحيث كانت المنافع الدنيوية في الحقيقة ليست بمنافع ـ وإنّما هي دفع آلام ، فلا يكاد يطلق اسم النفع إلّا على ما ندر منها ـ لم يعقل أن يكون هو الغرض من إيجاد هذا المخلوق الشريف ، سيما مع كونه منقطعا بالآلام المتضاعفة ، فلا بدّ وأن يكون الغرض شيئا آخر ، ممّا يتعلّق بالمنافع الاخروية.
ولمّا كان ذلك النفع ، من أعظم المطالب وأنفس المواهب ، لم يكن مبذولا لكلّ طالب ، بل إنّما يحصل بالاستحقاق ، وهو لا يكون إلّا بالعمل في هذه الدار ، المسبوق بمعرفة كيفية العمل ، المشتمل عليها هذا العلم ، فكانت الحاجة إليه ماسّة جدا ، لتحصيل هذا النفع العظيم.