واختار الامام الحسين (ع) الهجرة إلى العراق دون غيره من اقاليم العالم الاسلامي ، وهو على علم بما مني به أهل العراق من التذبذب والاضطراب في سلوكهم ، ولعل سبب اختياره له دون غيره يعود لما يلي.
أولا ـ ان العراق في ذلك العصر كان قلب الدولة الاسلامية وموطن المال والرجال ، وقد انشأت فيه الكوفة حامية الجيوش الاسلامية وقد لعبت دورا خطيرا في حركة الفتح الاسلامي ، فقد شاركت في فتح رامهرمز والسوس وتستر ونهاوند ، وكان عمر بن الخطاب يستنجد بها ، فقد كتب إلى وإليه سعد بن أبي وقاص : «ان ابعث إلى الأهواز بعثا كثيفا مع النعمان بن مقرن» وكثيرا ما تمر في أخبار الفتوح الاسلامية هذه العبارة «وأمدهم عمر بأهل الكوفة» وكان عمر يثني عليهم ويقول :
«جزى اللّه أهل الكوفة خيرا يكفون حوزتهم ، ويمدون أهل الامصار» وقال فيهم رجل من أهل الشام : «انكم كنز الاسلام ان استمدكم أهل البصرة أمددتموهم ، وان استمدكم اهل الشام امددتموهم» (١).
ومضافا إلى ان العراق كان قاعدة حربية فانه قد اشتهر منذ القدم بتراثه «فهو قلب الأرض ، وخزانة الملك الأعظم ، وما قد خص اللّه جل وعلا به أهل الكوفة من عمل الوشي والخز ، وغير ذلك من انواع الفواكه والتمور» (٢) وكان الأمويون قد اتخذوه موردا مهما لبيت المال في دمشق (٣) وقد بلغت جباية معاوية للكوفة وسوادها خمسين الف الف درهم (٤)
__________________
(١) الطبقات الكبرى ٦ / ٨٥
(٢) مختصر كتاب البلدان (ص ٥٢) للهمداني
(٣) فتوح البلدان (ص ٢٩٣)
(٤) اليعقوبي ٢ / ٢٥٨