التأنيس بالإتيان بالنظير ، وليس فيه دليل قاطع.
وزعم الفارسيّ أنّ الصحيح ما ذهب إليه يونس من زيادة الثاني من المثلين. واستدلّ على ذلك بوجود «اسحنكك» (١) و «اقعنسس» (٢) وأشباههما في كلامهم.
وذلك أنّ النون في «افعنلل» من الرباعي لم توجد قطّ إلا بين أصلين نحو «احرنجم» (٣).
فينبغي أن يكون ما ألحق به من الثلاثي بين أصلين لئلّا يخالف الملحق ما ألحق به. ولا يمكن جعل النون في «اسحنكك» و «اقعنسس» وأشباههما بين أصلين إلّا بأن يكون الأوّل من المثلين هو الأصل ، والثاني هو الزائد. وإذا ثبت في هذا الموضع أنّ الزائد من المثلين هو الثاني حملت سائر المواضع عليه.
وهذا الذي استدلّ به لا حجة فيه لأنه لا يلزم أن يوافق الملحق ما ألحق به في أكثر من موافقته له في الحركات والسّكنات وعدد الحروف ؛ ألا ترى أنّ النون في «افعنلل» من الرباعي بعدها حرفان أصلان وليس بعدها فيما ألحق به من الثلاثي إلّا حرفان ، أحدهما أصلي ، والآخر زائد. فكما خالف الملحق به في هذا القدر فكذلك يجوز أن يخالفه في كون النون في الملحق به واقعة بين أصلين ، وفي الملحق واقعة بين أصل وزائد.
والصحيح عندي ما ذهب إليه الخليل ، من أنّ الزائد منهما هو الأوّل ، بدليلين : أحدهما أنّهم لما صغّروا «صمحمحا» قالوا «صميمح» فحذفوا الحاء الأولى ، ولو كانت الأولى هي الأصليّة والثانية هي الزائدة لوجب حذف الثانية لأنه لا يحذف في التصغير الأصل ، ويبقى الزائد. فإن قال قائل : فلعلّ الذي منع من حذف الحاء الأخيرة وإن كانت هي الزائدة ، ما ذكره الزّجّاج ، من أنك لو فعلت ذلك لقلت «صميحم» ويكون تقديره من الفعل «فعيلع» وذلك بناء غير موجود. فالجواب أن هذا القدر ليس بمسوّغ حذف الأصلي وترك الزائد ، لأنّ البناء الذي يؤدّي إليه التّصغير عارض لا يعتدّ به بدليل أنك تقول في تصغير «افتقار» : «فتيقير» فتحذف همزة الوصل وتصير كأنك صغّرت «فتقارا» ، و «فتعال» ليس من أبنية كلامهم. فكذلك كان ينبغي أن يقال «صميحم» وإن أدّى إلى بناء غير موجود.
والآخر أنّ العين إذا تضعّفت ، وفصل بينهما حرف ، فإنّ ذلك الفاصل أبدا لا يكون إلّا زائدا نحو : «عثوثل» (٤) و «عقنقل» (٥) ؛ ألا ترى أنّ الواو والنون الفاصليتين بين العينين زائدتان. فإذا ثبت
__________________
(١) اسحنكك اللّيل : اشتدّت ظلمته.
(٢) اقعنسس : رجع وتأخّر.
(٣) احرنجم الناس : اجتمعوا.
(٤) العثوثل : الشّيخ الثّقيل.
(٥) العقنقل : الكثيب العظيم من الرمل.