قبل نفسك بترك التّقوى لا من قبلي ، فلم تقتلني؟
وفيه إشارة ، إلى أنّ الجاهل ينبغي أن يرى حرمانه من تقصيره ، ويجتهد في تحصيل ما به صار المحسود محفوظا لا في إزالة حظّه. فإنّ ذلك ممّا يضرّه ولا ينفعه ، وإنّ الطّاعة لا تقبل إلّا من مؤمن متّق.
وفي كتاب معاني الأخبار (١) : حدّثنا محمّد بن القاسم الأسترآباديّ المفسّر قال : حدّثني يوسف بن محمّد بن زياد وعليّ بن محمّد بن سنان ، عن أبويهما ، عن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ـ عليهم السّلام ـ قال : قال الصّادق ـ عليه السّلام ـ : إنّ من اتّبع هواه وأعجب برأيه كان كرجل سمعت غثاء العامّة تعظّمه وتصفه (٢) ، فأحببت لقاءه من حيث لا يعرفني لأنظر مقداره ومحلّه ، فرأيته قد أحدق به كثير خلق من غثاء العامّة ، فوقفت منتبذا عنهم متغشيّا بلثام أنظر إليه وإليهم ، فما زال يراوغهم حتّى خالف طريقهم وفارقهم ولم يقرّ ، فتفرّقت (٣) القوم لحوائجهم وتبعته أقتفي أثره ، فلم يلبث أن مرّ بخبّاز فغفله فأخذ من دكّانه رغيفين ، فتعجّبت ثمّ قلت في نفسي : لعلّه معامله. ثمّ مرّ بعده بصاحب رمّان فما زال به حتّى تغفّله (٤) فأخذ من عنده رمّانتين مسارقة ، فتعجّبت منه ثمّ قلت في نفسي : لعلّه معامله. ثمّ أقول : وما (٥) حاجته إذا إلى المسارقة؟ ثمّ لم أزل أتبعه حتّى مرّ بمريض فوضع الرّغيفين والرّمّانتين بين يديه ومضى ، وتبعته حتّى استقرّ في بقعة من الصّحراء.
فقلت له : يا عبد الله ، لقد سمعت بك خيرا (٦) وأحببت لقاءك فلقيتك ، ولكنّي رأيت منك ما شغل قلبي ، وإنّي سائلك عنه ليزول به شغل قلبي.
قال : ما هو؟
قلت : رأيت مررت بخبّاز وسرقت منه رغيفين ، ثمّ بصاحب الرّمّان وسرقت منه
__________________
(١) معاني الأخبار / ٣٣ ، ح ٤.
(٢) المصدر : تسفه.
(٣) هكذا في المصدر والنسخ. والظاهر : فتفرّق.
(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ : يغفّله.
(٥) هكذا في روأ. وفي المصدر وسائر النسخ : فما.
(٦) ليس في المصدر.