لكل جزء كيسا وزيّنه في أوله زيادة على ما شرطه الشيخ ، فلما أتاه به ورآه ، قال : إنك قد زدت فيه فيحتاج لك زيادة على الجنة فتمنّ ما تريد فقال : أريد أن أرى الجنة في هذه الدنيا فأجابه (١) الشيخ إلى ذلك ، وقال : لا يمكنك الجلوس بعدها عندي ، فأمره بالعزم إلى مكة والمجاورة بها ، فعزم إليها إلى أن توفي بها ، ولقي جماعة من العلماء وأجازه بعضهم بالإفتاء والتدريس ، فتصدى لذلك ونظم ونثر فمن نظمه كتاب «الدرر اللوامع في نظم جمع الجوامع» وله كتاب يسمى «تتمة التمام وسف (٢) المدام في عقائد أهل الإسلام» وهو كثير الفوائد وقرّضه جماعة من فضلاء مكة ، وكان من المدرسين بمكة مع الزّهد والصّلاح والتقشف والتعفف والإحتمال والسكون والإنجماع عن أبناء الدنيا وخلف أولادا ذكورا وإناثا نحو العشرة ، ومن شعره :
من كان يعلم أن كل مشاهد |
|
فعل الاله فما له أن يغضبا |
بل واجب أن يرتضي ما شاهدت |
|
عيناه من تلك الفعال ويطربا |
ونقلت من خط شيخنا الفقيه جمال الدين محمد بن عبد الرحيم الجابري رحمهالله قال : رأيت في كتاب «إيصال النافع العليم إلى الإيصاء بالنافع العميم» للشيخ أحمد بن عبد النافع بن الشيخ الإمام محمد بن عراق رحمهمالله تعالى ، وهو كتاب شرح وصية والده المسماة «الوصية المنبه عليها التي يشد الرّحال إليها» فرأيت قد قال في أثنائها : ولله دّر ما أنشدناه لبعض من أدركناه من مشايخ قرننا العاشر عليه رحمة الرحيم الغافر ، وهو الإمام الجليل ذو الفضل الغزير الشيخ عبد الله إبن أحمد باكثير الحضرمي المكي :
أتدري قبل كونك أين أنت |
|
وبعد الكون أين تصير أنت |
__________________
(١) قلت مثل هذه الحكايات يجب أن تؤخذ على محمل السلامة وأن الشيخ العيدروس كان قد رجا من واسع فضل الله ما طلبه الشيخ أبو كثير والله أعلم.
(٢) النور السافر : سفك.