الرّؤساء فلقيه بموضع يحاذي بستان ابن الشّمّحل (١) ، فاعتنقا على ظهر خيولهما وانفصل أستاذ الدّار راجعا. وجاء الوزير في الموكب إلى محاذي التّاج وعبر في الماء إلى دار الخلافة المعظّمة ـ شيّد الله قواعدها بالعز ـ ودخلها من باب السّرداب راكبا. ثم نزل ودخل على الإمام المستنجد بالله ، وحضر أستاذ الدّار العزيزة أبو الفرج المذكور وصاحب المخزن وقاضي القضاة وحاجب الباب وكاتب الإنشاء أبو الفرج الأنباري ، فخدم (٢) وتكلّم بكلام حسن ، وأنشد ثلاثة أبيات من الشّعر ، وأحضرت الخلع المعدّة له ، فكانت جبّة وعمامة وسيفا ومركبا وفرسا ، فخلع عليه ، وسلّم إليه عهده ، وركب إلى الديوان العزيز ـ مجّده الله ـ وبين يديه الخلق مشاة ودخل راكبا ، ونزل على طرف الإيوان به ، وجلس في الدّست ، وقرأ عهده كاتب الإنشاء. وأقام هناك إلى أن صلّى العصر ، وبرز جواب إنهاء كتبه ، وركب إلى باب العامّة فنزل بالدّار التي كان يسكنها الوزير يحيى بن هبيرة.
ولم يزل على وزارته آمرا وناهيا والأمور تصدر عن رأيه وتدبيره أخذا وعطاء وولاية وعزلا إلى أن توفي الإمام المستنجد بالله رضياللهعنه يوم السّبت تاسع شهر ربيع الآخر من سنة ست وستين وخمس مئة وبويع ولده الإمام المستضيء بأمر الله أبي محمد الحسن يوم عاشره. وكان القائم بأمر بيعته والمتولّي لها أبو الفرج محمد بن عبد الله ابن رئيس الرّؤساء ، وردّ إليه أمر وزارته في ذلك اليوم فاستدعى أبا جعفر ابن البلدي للمبايعة ، فلما حضر دار الخلافة المعظّمة قتل ورمي بجسده إلى دجلة ، وكان ذلك بأمر الوزير ابن رئيس الرؤساء لسوء صنيع كان يعامله به أيام وزارته ومكروه ناله منه ومن أقارب له ، فلما ظفر به قاصصه ، فكانت مدة وزارته من حيث خلع عليه إلى أن قتل ثلاث
__________________
(١) الضبط مجود في النسخ.
(٢) أي : قدّم احتراماته وخضوعه ، وهي من مصطلحات العصر.