صرف في يوم الخميس لعشرين من شهر رمضان ، وأعيد الوزير أبو الفرج وأحيط بدور ابن البقريّ وأسلم هو وابنه تاج الدين عبد الله إلى الأمير ناصر الدين محمد بن اقبغا آض ، فلما استقرّ الأمير ناصر الدين محمد بن الحسام الصفديّ في الوزارة يوم الثلاثاء سابع عشري ذي الحجة منها ، عوضا عن الوزير أبي الفرج ، اشترط على السلطان أمورا منها استخدام الوزراء المعزولين ، فجلس بشباك قاعة الصاحب من القلعة وبعث إلى من بالقاهرة من الوزراء المعزولين ، وهم شمس الدين عبد الله المقسي ، وعلم الدين عبد الوهاب بن الطنساويّ ، المعروف بسنّ إبرة ، وسعد الدين سعد الله بن البقريّ ، وموفق الدين أبو الفرج ، وفخر الدين عبد الرحمن بن عبد الرزاق بن ابراهيم بن مكانس ، فأقرّ المقسيّ وسنّ إبرة معا في نظر الدولة وأقرّ ابن البقريّ ناظر البيوت ومستوفي الدولة ، وقرّر أبا الفرج في استيفاء الصحبة ، وابن مكانس في استيفاء الدولة شريكا لابن البقريّ ، فكانوا يركبون في خدمته دائما ويجلسون بين يديه ، وربما وقف ابن البقريّ على قدميه بحضرته بعد أن كان ابن الحسام دواداره ، ولا يزال قائما بين يديه ، فعدّ الناس هذا من أعظم المحن التي لم يشاهد في الدولة التركية مثلها ، وهو أن يصير الرجل خادما لمن كان في خدمته ، فنعوذ بالله من المحن ، ثم إن الوزير ابن الحسام قبض على ابن البقريّ وألزمه بحمل سبعين ألف درهم ، ثم أعيد إلى الوزارة بعد القبض على الصاحب تاج الدين عبد الرحيم بن عبد الله بن موسى بن أبي بكر ابن أبي شاكر في ذي القعدة سنة خمس وتسعين ، وقبض عليه وعلى ولده في حادي عشري شهر ربيع الأوّل سنة ست وتسعين ، وسلما مع عدّة من الكتاب لشادّ الدواوين ، ثم أفرج عنهما على حمل مال ، فلما ولي الأمير ناصر الدين محمد بن رجب بن كلفت الوزارة ، بعد الوزير أبي الفرج ، قرّر ابن البقريّ في نظر الدولة عوضا عن بدر الدين الأقفهسيّ ، واستخدم بقية الوزراء كما فعل الوزير ابن الحسام ، فلما خلع السلطان على الأمير ناصر الدين محمد بن تنكر وجعله استادار الأملاك في رجب سنة سبع وتسعين ، قرّر ابن البقريّ ناظر الأملاك ، وخلع عليه ، فصار يتحدّث في نظر الدولة ونظر الأملاك ، فلما كان يوم الخميس رابع رجب سنة ثمان وتسعين أعيد إلى الوزارة وصرف عنها الأمير مبارك شاه ناظر الظاهريّ ، واستقرّ بدر الدين محمد بن محمد الطوخي في نظر الدولة ، ثم قبض عليه في يوم الخميس رابع ربيع الأوّل سنة تسع وتسعين ، وأحيط بسائر ما قدر عليه من موجوده ، وولي الوزارة بعده ابن الطوخيّ ، وعوقب عقابا شديدا في دار الأمير علاء الدين عليّ بن الطبلاويّ ، ثم أخرج نهارا وهو عار مكشوف الرأس وبيده حبل يجرّبه وثيابه مضمومة بيده الأخرى والناس تراه من درب قراصيا برحبة باب العيد في السوق إلى دار ابن الطبلاويّ ، وقد انتهك بدنه من شدّة الضرب ، فسجن بدار هناك. ثم خنق في ليلة الاثنين رابع جمادى الآخرة سنة تسع وتسعين وسبعمائة ، وكان أحد كتاب الدنيا الذين انتهت إليهم السيادة في كتابة الرسوم الديوانية ، مع عفة الفرج وجودة الرأي وحسن التدبير ، إلّا أنه لم يؤت سعدا في