ذكر الرحاب
الرحبة بإسكان الحاء وفتحها : الموضع الواسع ، وجمعها رحاب. اعلم أنّ الرحاب كثيرة لا تتغير إلّا بأن يبني فيها ، فتذهب ويبقى اسمها ، أو يبني فيها ويذهب اسمها ويجهل ، وربما انهدم بنيان وصار موضعه رحبة أو دارا أو مسجدا ، والغرض ذكر ما فيه فائدة.
رحبة باب العيد : هذه الرحبة كان أوّلها من باب الريح أحد أبواب القصر الذي أدركنا هدمه على يد الأمير جمال الدين الاستادار ، في سنة إحدى عشرة وثمانمائة ، وإلى خزانة البنود ، وكانت رحبة عظيمة في الطول والعرض ، غاية في الاتساع ، يقف فيها العساكر فارسها وراجلها في أيام مواكب الأعياد ينتظرون ركوب الخليفة وخروجه من باب العيد ، ويذهبون في خدمته لصلاة العيد بالمصلى خارج باب النصر ، ثم يعودون إلى أن يدخل من الباب المذكور إلى القصر ، وقد تقدّم ذكر ذلك ، ولم تزل هذه الرحبة خالية من البناء إلى ما بعد الستمائة من الهجرة ، فاختط فيها الناس وعمروا فيها الدور والمساجد وغيرها ، فصارت خطة كبيرة من أجل أخطاط القاهرة ، وبقى اسم رحبة باب العيد باقيا عليها لا تعرف إلّا به.
رحبة قصر الشوك : هذه الرحبة كانت قبليّ القصر الكبير الشرقيّ ، في غاية الاتساع ، كبيرة المقدار ، وموضعها من حيث دار الأمير الحاج أل ملك بجوار المشهد الحسينيّ والمدرسة الملكية إلى باب قصر الشوك ، عند خزانة البنود ، وبينها وبين رحبة باب العيد خزانة البنود والسفينة ، وكان السالك من باب الديلم الذي هو اليوم المشهد الحسينيّ إلى خزانة البنود يمرّ في هذه الرحبة ، ويصير سور القصر على يساره ، والمناخ ودار افتكين على يمينه ، ولا يتصل بالقصر بنيان البتة ، وما زالت هذه الرحبة باقية إلى أن خرب القصر بفناء أهله ، فاختط الناس فيها شيئا بعد شيء حتى لم يبق منها سوى قطعة صغيرة تعرف برحبة الأيد مري.
رحبة الجامع الأزهر : هذه الرحبة كانت أمام الجامع الأزهر وكانت كبيرة جدّا ، تبتدىء من خط اصطبل الطارمة إلى الموضع الذي فيه مقعد الأكفانيين اليوم ، ومن باب الجامع البحريّ إلى حيث الخرّاطين. ليس بين هذه الرحبة ورحبة قصر الشوك سوى اصطبل الطارمة ، فكان الخلفاء حين يصلّون بالناس بالجامع الأزهر تترجل العساكر كلها وتقف في هذه الرحبة حتى يدخل الخليفة إلى الجامع ، وسيأتي ذكر ذلك إن شاء الله تعالى عند ذكر الجوامع. ولم تزل هذه الرحبة باقية إلى أثناء الدولة الأيوبية ، فشرع الناس في العمارة بها إلى أن بقى منها قدّام باب الجامع البحري هذا القدر اليسير.
رحبة الحليّ : هذه الرحبة الآن من خط الجامع الأزهر ومن بقية رحبة الجامع التي تقدّم ذكرها ، عرفت بالقاضي نجم الدين أبي العباس أحمد بن شمس الدين عليّ بن نصر الله بن مظفر الحليّ ، التاجر العادل لأنها تجاه داره.