العرب ، وكانت تتصل بالريدانية ، وتشتمل على حوانيت كثيرة جدّا أدركتها عامرة ، وليس فيها سكان ، وكانت كلها من لبن معقود عقودا ، وكان بأوّل سويقة العرب هذه فرن أدركته عامرا آهلا ، بلغني أنه كان يخبز فيه أيام عمارة هذا السوق وما حوله كل يوم نحو السبعة آلاف رغيف ، وكان من وراء هذا السوق أحواش فيها قباب معقودة من لبن ، أدركتها قائمة وليس فيها سكان ، وكان من جملة هذه الأحواش حوش فيه أربعمائة قبة يسكن فيها البزادرة والمكارية ، أجرة كل قبة در همان في كل شهر ، فيتحصل من هذا الحوش في كل شهر مبلغ ثمانمائة درهم فضة ، وكان يعرف بحوش الأحمديّ. فلما كان الغلاء في زمن الملك الأشرف شعبان بن حسين سنة سبع وسبعين وسبعمائة ، خرب كثير مما كان بالقرب من الريدانية ، واختلّت أحوال هذه الجهة إلى أن كانت المحن من سنة ست وثمانمائة ، فتلاشت وهدمت دورها وبيعت أنقاضها ، وفيها بقية آئلة إلى الدثور.
الريدانية
كانت بستانا لريدان الصقلبيّ ، أحد خدّام العزيز بالله نزار بن المعز ، كان يحمل المظلة على رأس الخليفة ، واختص بالحاكم ، ثم قتله في يوم الثلاثاء لعشر بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة وريدان إن كان اسما عربيا ، فإنه من قولهم ريح ريدة ، ورادة ، وريدانة ، أي لينة الهبوب ، وقيل ريح ريدة كثيرة الهبوب.
ذكر الخلجان التي بظاهر القاهرة
اعلم أن الخليج جمعه خلجان ، وهو نهر صغير يختلج من نهر كبير أو من بحر ، وأصل الخلج الانتزاع. خلجت الشيء من الشيء إذا انتزعته ، وبأرض مصر عدّة خلجان ، منها بظاهر القاهرة خليج مصر ، وخليج فم الخور ، وخليج الذكر ، والخليج الناصريّ ، وخليج قنطرة الفخر ، وسترى من أخبارها ما فيه كفاية إن شاء الله تعالى.
ذكر خليج مصر
هذا الخليج بظاهر مدينة فسطاط مصر ، ويمرّ من غربيّ القاهرة ، وهو خليج قديم احتفره بعض قدماء ملوك مصر ، بسبب هاجر أم إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن صلوات الله وسلامه عليهما ، حين أسكنها وابنها إسماعيل خليل الله إبراهيم عليهما الصلاة والسلام بمكة ، ثم تمادت الدهور والأعوام فجدّد حفره ثانيا بعض من ملك مصر من ملوك الروم بعد الإسكندر ، فلما جاء الله سبحانه بالإسلام ، وله الحمد والمنة ، وفتحت أرض مصر على يد عمرو بن العاص ، جدّد حفره بإشارة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضياللهعنه ، في عام الرمادة ، وكان يصب في بحر القلزم فتسير فيه السفن إلى البحر الملح ، وتمرّ في البحر إلى الحجاز واليمن والهند ، ولم يزل على ذلك إلى أن قام محمد بن عبد الله بن