الرميلة ، تحت قلعة الجبل ، وكان قصرا عظيما ، أمر السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون في سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة ببنائه لسكن الأمير يلبغا اليحياوي ، وأن يبنى أيضا قصر يقابله برسم سكنى الأمير الطنبغا الماردينيّ ، لتزايد رغبته فيهما وعظيم محبته لهما ، حتى يكونا تجاهه وينظر إليهما من قلعة الجبل ، فركب بنفسه إلى حيث سوق الخيل من الرميلة تحت القلعة ، وسار إلى حمام الملك السعيد ، وعيّن اصطبل الأمير أيدغمش أميراخور ، وكان تجاهها ليعمره هو وما يقابله قصرين متقابلين ويضاف إليه إصطبل الأمير طاشتمر الساقي ، واصطبل الجوق وأمر الأمير قوصون أن يشتري ما يجاور إصطبله من الأملاك ويوسع في إصطبله ، وجعل أمر هذه العمارة إلى الأمير اقبغا عبد الواحد ، فوقع الهدم فيما كان بجوار بيت الأمير قوصون ، وزيد في الإصطبل وجعل باب هذا الإصطبل من تجاه باب القلعة المعروف بباب السلسلة (١) ، وأمر السلطان بالنفقة على العمارة من مال السلطان على يد النشو ، وكان للملك الناصر رغبة كبيرة في العمارة بحيث أنه أفرد لها ديوانا ، وبلغ مصروفها في كل يوم اثني عشر ألف درهم نقرة ، وأقل ما كان يصرف من ديوان العمارة في اليوم برسم العمارة مبلغ ثمانية آلاف درهم نقرة ، فلما كثر الاهتمام في بناء القصرين المذكورين وعظم الاجتهاد في عمارتهما وصار السلطان ينزل من القلعة لكشف العمل ويستحث على فراغهما ، وأوّل ما بدىء به قصر يلبغا اليحياوي ، فعمل أساسه حضيرة واحدة انصرف عليها وحدها مبلغ أربعمائة ألف درهم نقرة ، ولم يبق في القاهرة ومصر صانع له تعلق في العمارة إلّا وعمل فيها حتى كمل القصر ، فجاء في غاية الحسن ، وبلغت النفقة عليه مبلغ أربعمائة ألف ألف وستين ألف درهم نقرة ، منها ثمن لازورد خاصة مائة ألف درهم.
فلما كملت العمارة نزل السلطان لرؤيتها ، وحضر يومئذ من عند الأمير سيف الدين طرغاي نائب حلب تقدمة ، من جملتها عشرة أزواج بسط أحدها حرير ، وعدّة أواني من بلور ونحوه ، وخيل وبخاتي ، فأنعم بالجميع على الأمير يلبغا اليحياويّ ، وأمر الأمير أقبغا عبد الواحد أن ينزل إلى هذا القصر ومعه أخوان سلار برفقته ، وسار أرباب الوظائف لعمل مهم ، فبات النشو ناظر الخاص هناك لتعبية ما يحتاج إليه من اللحوم والتوابل ونحوها ، فلما تهيأ ذلك حضر سائر أمراء الدولة من أوّل النهار وأقاموا بقصر يلبغا اليحياوي في أكل وشرب ولهو ، وفي آخر النهار حضرت إليهم التشاريف السلطانية ، وعدّتها أحد عشر تشريفا برسم أرباب الوظائف ، وهم : الأمير أقبغا عبد الواحد ، والأستادار ، والأمير قوصون الساقي ،
__________________
(١) في النجوم الزاهرة ٤ / ٥٦ : درب السلسلة : عرف بالسلسلة التي كانت تمد ليلا في عرض الطريق بين باب هذا الدرب وبين باب الزهومة لمنع المرور ليلا بين قصور الخلفاء. وموضع هذا الدرب اليوم وكالة الجواهرجية الواقعة بشارع الخردجية تجاه مدخل شارع خان الخليلي الذي كان في أوله باب الزهومة.