الباب قال لي أين الفرس؟ قلت : ها هو مع الركاب. دار فقال لي : أدعه. فدعوته إليه ، فلما وقف بين يديه والفرس معه ، أمره الأمير بأخذ الغاشية ، ووضع الأمير رجله في ركابه وركبه ومضى به إلى داره وأخذ الفرس ، فلما خرج صاحبه عرفه الركاب دار بما فعله الأمير فخر الدين ، فسكت ومضى إلى بيته وبقي أياما ولم يطلب الفرس. فقال لي الأمير فخر الدين : يا خطلبا ما جاء صاحب الفرس ولا طلبه ، اطلب لي صاحبه. قال : فاجتمعت به وأخبرته بأنّ الأمير يطلب الاجتماع به ، فسارع إلى الحضور. فلما دخل عليه أكرمه الأمير ورفع مكانه وحدّثه وآنسه وبسطه وحضر سماطه فقرّبه وخصصه من طعامه ، فلما فرغ من الأكل قال له الأمير : يا فلان ، ما بالك ما طلبت فرسك وله عندنا مدّة؟ فقال : يا خوند ، وما عسى أن يكون من هذا الفرس وما ركبه الأمير إلّا وهو قد صلح له ، وكلما صلح للمولى فهو على العبد حرام ، ولقد شرّفني مولانا بأن جعلني أهلا أن يتصرّف في عبده ، والمملوك يحسب أن هذا الفرس قد أصابه مرض فمات ، وأما الآن فقد وقع في محله ، وعند أهله ، ومولانا أحق به ، وما أسعد المملوك إذا صلح لمولانا عنده شيء. فقال له الأمير : بلغني أنك أعطيت فيه ألف دينار. قال كذلك كان ، قال : فلم لم تبعه؟ فقال : يا مولانا هذا الفرس جعلته للجهاد ، وأحسن ما جاهد الإنسان على فرس يعرفه ويثق به ، وما مقدار هذا الفرس له أسوة.
فاستحسن الأمير همته وشكره ، ثم أشار إليّ فتقدّمت إليه فقال لي في أذني : إذا خرج هذا الرجل فاخلع عليه الخلعة الفلانية من أفخر ملبوس الأمير ، وأعطه ألف دينار وفرسه ، فلما نهض الرجل أخذته إلى الفرش خاناه وخلعت عليه الخلعة ودفعت إليه الكيس وفيه ألف دينار ، فخدم وشكر وخرج ، فقدّم إليه فرسه وعليه سرج خاص من سروج الأمير ، وعدّة في غاية الجودة. فقيل : اركب فرسك. فقال : كيف أركبه وقد أخذت ثمنه ، وهذه الخلعة زيادة على ثمنه. ثم رجع إلى الأمير فقبّل الأرض وقال : يا خوند ، تشريف مولانا لا يردّ ، وهذا ثمن الفرس قد أحضره المملوك. فقال له الأمير فخر الدين : يا هذا نحن جرّبناك فوجدناك رجلا جيدا ولك همة ، وأنت أحق بفرسك ، خذ هذا ثمنه ولا تبعه لأحد ، فخدمه وشكره ودعا له وأخذ الفرس والخلعة والألف دينار وانصرف.
وأخبرني أيضا الأمير شرف الدين ابن أبي القاسم قال : أخبرني صارم الدين التبنيني أيضا : أنّ الأمير فخر الدين خدم عنده بعض الأجناد ، فعرض عليه فأعجبه شكله ، وقال لديوانه : استخدموا هذا الرجل. فتكلموا معه وقدّروا له في السنة اثني عشر ألف درهم ، فرضي الرجل وانتقل إلى حلقة الأمير قوصون وضرب خيمته وأحضر بركه ، فلما كان بعض الأيام رجع الأمير من الخدمة فعبر في جنب خيمة هذا الرجل ، فرأى خيمة حسنة وخيلا جيادا وجمالا وبغالا وبركا في غاية الجودة. فقال : هذا البرك لمن؟ فقيل هذا برك فلان الذي خدم عند الأمير في هذه الأيام. فقال : قولوا له ما لك عندنا شغل ، تمضي في حال سبيلك ، فلما قيل للرجل ذلك أمر بأن تحط خيمته وأتى إليّ وقال : يا مولانا ، أنا رائح ، وها