وقبلوا الأرض وعليهم الخلع ، وركبوا ولعبوا نهارهم على العادة ، والأموال تفرّق والأسمطة تصف ، والصدقات تنفق ، والرقاب تعتق. وما زال إلى أن أهلّ هلال شوّال ، فقام الناس وطلعوا للهناء ، فجلس لهم ، وعليهم خلعه ، ثم ركب يوم العيد إلى مصلاه في خيمة بشعار السلطنة وأبّهة الملك ، فصلى ثم طلع قلعة الجبل وجلس على الأسمطة ، وكان الاحتفال بها كبيرا ، وأكل الناس ، ثم انتهبه الفقراء ، وقام إلى مقرّ سلطانه بالقبة السعيدة ، وقد غلقت وفرشت بأنواع الستور والكلل والفرش ، وكان قد تقدّم إلى الأمراء بإحضار أولادهم ، فأحضروا ، وخلع عليهم الخلع المفصلة على قدرهم ، فلما كان هذا اليوم أحضروا وختنوا بأجمعهم بين يدي السلطان ، وأخرجوا فحملوا في المحفات إلى بيوتهم ، وعمّ الهناء كل دار ، ثم أحضر الأمير نجم الدين خضر ولد السلطان ، فختن ورمى للناس جملة من الأموال اجتمع منها خزانة ملك كبير ، فرّقت على من باشر الختان من الحكماء والمزينين وغيرهم.
وانقضت هذه الأيام ، وجرى السلطان فيها على عادته كما كان ، من كونه لم يكلّف أحدا من خلق الله تعالى بهدية يهديها ، ولا تحفة يتحفه بها في مثل هذه المسرّة ، كما جرت عادة من تقدّمه من الملوك ، ولم يبق من لا شمله إحسانه غير أرباب الملاهي والأغاني ، فإنه كان في أيامه لم ينفق لهم مبلغ البتة.
وممن لعب بهذا الميدان القبق ، السلطان الملك الأشرف خليل بن قلاوون ، وعمل فيه المهمّ الذي لم يعمل في دولة ملوك الترك بمصر مثله ، وذلك أن خوندار دوتكين ابنة نوكيه ، ويقال نوغية السلحدارية ، اشتملت من السلطان الملك الأشرف على حمل ، فظنّ أنها تلد ابنا ذكرا يرث الملك من بعده ، فأخذ عند ما قاربت الوضع في الاحتفال ، ورسم لوزيره الصاحب شمس الدين محمد بن السلعوس أن يكتب إلى دمشق بعمل مائة شمعدان نحاس مكفت بألقاب السلطان ، ومائة شمعدان أخر ، منها خمسون من ذهب ، وخمسون من فضة ، وخمسين سرجا من سروج الزركش ، ومائة وخمسين سرجا من المخيش ، وألف شمعة وأشياء كثيرة غير ذلك ، فقدّر الله تعالى أنها ولدت بنتا ، فانقبض لذلك وكره إبطال ما قد اشتهر عنه عمله ، فأظهر أنه يريد ختان أخيه محمد ، وابن أخيه مظفر الدين موسى بن الملك الصالح عليّ بن قلاوون ، فرسم لنقيب الجيش والحجاب بإعلام الأمراء والعسكر أن يلبسوا كلهم آلة الحرب من السلاح الكامل ، هم وخيولهم ، ويصيروا بأجمعهم كذلك في الميدان الأسود خارج باب النصر ، فاهتم الأمراء والعسكر اهتماما كبيرا لذلك ، وأخذوا في تحسين العدد وبالغوا في التأنق ، وتنافسوا في إظهار التجمل الزائد ، وخرج في اليوم الرابع من إعلام الأمراء السوقة ، ونصبوا عدّة صواوين فيها سائر البقول والمآكل ، فصار بالميدان سوق عظيم ، ونزل السلطان من قلعة الجبل بعساكره وعليهم لامة الحرب ، وقد خرج سائر من في القاهرة ومصر من الرجال والنساء إلّا من خلفه العذر لرؤية السلطان ، فأقام السلطان يومه ، وحصل في ذلك اليوم للناس بهذا الاجتماع من السرور ما يعزّ وجود مثله ، وأصبح السلطان