أبي عبد الله ، فقاموا بحقّ تعظيمه وإجلاله ، ورغبوا في نزوله عندهم ، واقترعوا فيمن يضيفه ، ثمّ ارتحلوا إلى أرض كتامة فوصلوا إليها منتصف الربيع الأوّل سنة ثمان (١) وثمانين ومائتين ، فما منهم إلا من سأله أن يكون منزله عنده ، فلم (٢) يوافق أحدا منهم وقال : أين يكون فجّ الأخبار؟ فعجبوا من ذلك ولم يكونوا قطّ ذكروه له منذ صحبوه (٣) فدلّوه عليه ، فقصده وقال : إذا حللنا به صرنا نأتي كلّ قوم منكم في ديارهم ونزورهم في بيوتهم ؛ فرضوا جميعا بذلك. وسار إلى جيل ايلحان (٤) وفيه فج الأخيار ، فقال هذا فج الأخيار وما سمّي إلا بكم ، ولقد جاء في الآثار (٥) للمهديّ هجرة ينبو بها عن الأوطان ينصره فيها الأخيار من أهل ذلك الزمان ، قوم اسمهم مشتقّ من الكتمان ، ولخروجكم في هذا الفجّ سمّي فجّ الأخيار ، فتسامعت به القبائل وأتته البربر من كلّ مكان ، وعظم أمره حتى أنّ كتامة اقتتلت عليه مع قبائل البربر ، وهو لا يذكر اسم المهدي ولا يعرّج عليه ، فبلغ خبره إبراهيم بن الأغلب أمير إفريقية ، فقال أبو عبد الله لكتامة : أنا صاحب النذر (٦) الذي قال لكم أبو سفيان والحلوانيّ ، فازدادت محبّتهم له وعظم أمره فيهم ، وأتته القبائل من كلّ مكان ، وسار إلى مدينة تاصروق (٧) ، وجمع الخيل وصيّر أمرها للحسن بن هارون كبير كتامة ، وخرج للحرب فظفر وغنم ، وعمل على تاصروق خندقا ، فرجعت إليه قبائل من البربر وحاربوه فظفر بهم ، وصارت إليه أموالهم ، ووالى الغزو فيهم حتّى استقام له أمرهم ، فسار وأخذ مدائن (٨) عدّة ، فبعث إليه ابن الأغلب بعساكر كانت له معهم حروب عظيمة وخطوب عديدة وأنباء كثيرة آلت إلى غلب أبي عبد الله وانتشار أصحابه من كتامة في البلاد ، فصار يقول : المهديّ يخرج في هذه الأيام ويملك الأرض ، فيا طوبى لمن هاجر إليّ وأطاعني. وأخذ يغري الناس بابن الأغلب (٩) ، ويذكر كرامات المهدي وما يفتح الله له ، ويعدهم بأنّهم يملكون الأرض كلّها.
وسير إلى عبيد الله بن محمد (١٠) رجالا من كتامة ليخبروه بما فتح الله له وأنه ينتظره ، فوافوا عبيد الله بسلمية من أرض حمص ، وكان قد اشتهر بها وطلبه الخليفة المكتفي ، ففرّ
__________________
(١) في الكامل لابن الأثير ٦ / ١٢٧ : سنة ثمانين ومائتين.
(٢) وفيه أيضا : حتى يقاتلوا دونه ، فقال لهم : أين ...
(٣) وفيه أيضا : فقالوا عند بني سليمان.
(٤) وفيه أيضا : أنكجان.
(٥) وفيه أيضا : أنّ.
(٦) وفيه أيضا : البدر.
(٧) وفيه أيضا ٦ / ١٢٨ : ناصرون.
(٨) وفيه أيضا : مدينة ميلة.
(٩) في الكامل لابن الأثير ٦ / ١٢٨ : بأبي مضر.
(١٠) في الكامل لابن الأثير ٦ / ١٢٩ : ابن الحسين بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.