البياض. وقال يحيى بن ماسويه في كتاب تدبير أبدان الأصحاء : أنّ من غلب على بدنه البلغم ينبغي أن تكون أغذيته مسخنة مجففة ، كالزبيب والشهدانج.
وقال صاحب كتاب إصلاح الأدوية : أنّ الشهدانج يدرّ البول ، وهو عسر الانهضام ، رديء الخلط للمعدة. قال : ولم أجد لإزالة الزفر من اليد أبلغ من غسلها بالحشيشة ، ورأيت من خواصها أن كثيرا من ذوات السموم كالحية ونحوها إذا شمت ريحها هربت ، ورأيت أن الإنسان إذا أكلها ووجد فعلها في نفسه ، وأحبّ أن يفارقه فعلها قطر في منخريه شيئا من الزيت ، وأكل من اللبن الحامض. ومما يكسر قوّة فعلها ويضعفه السباحة في الماء الجاري ، والنوم يبطله.
قال مؤلفه رحمهالله تعالى : دع نزاهة القوم ، فما بلي الناس بأفسد من هذه الشجرة لأخلاقهم ، ولقد حدّثني القاضي الرئيس تاج الدين إسماعيل بن عبد الوهاب بن الخطباء المخزوميّ ، قبل اختلاطه ، عن الرئيس علاء الدين بن نفيس : أنه سئل عن هذه الحشيشة فقال : اعتبرتها فوجدتها تورث السفالة والرذالة ، وكذلك جرّبنا في طول عمرنا من عاناها فإنه ينحط في سائر أخلاقه إلى ما لا يكاد أن يبقى له من الإنسانية شيء البتة.
وقد قال ابن البيطار في كتاب المفردات : ومن القنب نوع ثالث يقال له القنب الهنديّ ، ولم أره بغير مصر ، ويزرع في البساتين ويقال له الحشيشة عندهم أيضا ، وهو يسكر جدّا إذا تناول منه الإنسان قدر درهم أو درهمين ، حتى أنّ من أكثر منه يخرجه إلى حدّ الرعونة ، وقد استعمله قوم فاختلت عقولهم ، وأدّى بهم الحال إلى الجنون ، وربما قتلت. ورأيت الفقراء يستعملونها على أنحاء شتى ، فمنهم من يطبخ الورق طبخا بليغا ويدعكه باليد دعكا جيدا ، حتى يتعجن ، ويعمل منه أقراصا ، ومنهم من يجففه قليلا ثم يحمصه ويفركه باليد ، ويخلط به قليل سمسم مقشور وسكّر ويستفه ويطيل مضغه ، فإنهم يطربون عليه ويفرحون كثيرا ، وربما أسكرهم فيخرجون به إلى الجنون أو قريب منه ، وهذا ما شاهدته من فعلها ، وإذا خيف من الإكثار منه فليبادر إلى القيء بسمن وماء سخن ، حتى تنقى منه المعدة ، وشراب الحماض لهم في غاية النفع ، فانظر كلام العارف فيها واحذر من إفساد بشريّتك وتلاف أخلاقك باستعمالها ، ولقد عهدناها وما يرمى بتعاطيها إلّا أراذل الناس ، ومع ذلك فيأنفون من انتسابهم لها لما فيها من الشنعة ، وكان قد تتبع الأمير سودون الشيخونيّ رحمهالله الموضع الذي يعرف بالجنينة من أرض الطبالة وباب اللوق وحكر واصل ببولاق ، وأتلف ما هنالك من هذه الشجرة الملعونة ، وقبض على من كان يبتلعها من أطراف الناس ورذلائهم وعاقب على فعلها بقلع الأضراس ، فقلع أضراس كثير من العامّة في نحو سنة ثمانين وسبعمائة ، وما برحت هذه الخبيثة تعدّ من القاذورات حتى قدم سلطان بغداد أحمد بن أويس فارا من تيمورلنك إلى القاهرة في سنة خمس وتسعين وسبعمائة ، فتظاهر أصحابه بأكلها ، وشنع الناس عليهم واستقبحوا ذلك من فعلهم وعابوه عليهم ، فلما سافر من