بدت تملأ الأبصار نورا بحسنها |
|
فأخجل نور الروض والزهر بالزهر |
عروس يسرّ النفس مكنون سرّها |
|
وتصبح في كل الحواس إذا تسري |
فللذوق منها مطعم الشهد رائقا |
|
وللشم منها فائق المسك بالنشر |
وفي لونها للطرف أحسن نزهة |
|
يميل إلى رؤياه من سائر الزهر |
تركّب من قان وأبيض فانثنت |
|
تتيه على الأزهار عالية القدر |
فيكسف نور الشمس حمرة لونها |
|
وتخجل من مبيضّه طلعة البدر |
علت رتبة في حسنها وكأنها |
|
زبرجد روض جاده وابل القطر |
تبدّت فأبدت ما أجنّ من الهوى |
|
وجاءت فولت جند همي والفكر |
جميلة أوصاف جليلة رتبة |
|
تغالت فغالى في مدائحها شعري |
فقم فانف جيش الهمّ واكفف يد العنا |
|
بهندية أمضى من البيض والسمر |
بهندية في أصل إظهار أكلها |
|
إلى الناس لا هندية اللون كالسّمر |
تزيل لهيب الهمّ عنّا بأكلها |
|
وتهدي لنا الأفراح في السرّ والجهر |
قال : وأنا أقول إنه قديم معروف منذ أوجد الله تعالى الدنيا ، وقد كان على عهد اليونانيين ، والدليل على ذلك ما نقله الأطباء في كتبهم عن بقراط وجالينوس من مزاج هذا العقار وخواصه ، ومنافعه ومضارّه ، قال ابن جزلة في كتاب منهاج البيان : القنب الذي هو ورق الشهدانج ، منه بستانيّ ومنه برّيّ ، والبستانيّ أجوده ، وهو حار يابس في الدرجة الثالثة ، وقيل حرارته في الدرجة الأولى ، ويقال أنه بارد يابس في الدرجة الأولى ، والبريّ منه حار يابس في الدرجة الرابعة. قال : ويسمى بالكفّ. أنشدني تقيّ الدين الموصلي :
كف كفّ الهموم بالكفّ فالك |
|
فّ شفاء للعاشق المهموم |
بابنة القنّب الكريمة لا بابن |
|
ة كرم بعد البنت الكروم |
قال : والفقراء إنما يقصدون استعماله مع ما يجدون من اللذة تجفيفا للمنيّ ، وفي إبطاله قطع لشهوة الجماع كي لا تميل نفوسهم إلى ما يوقع في الزنا. وقال بعض الأطباء : ينبغي لمن يأكل الشهدانج أو ورقه ، أن يأكله مع اللوز أو الفستق أو السكر أو العسل أو الخشخاش ، ويشرب بعده السكنجبين ليدفع ضرره ، وإذا قلي كان أقلّ لضرره ، ولذلك جرت العادة قبل أكله أن يقلى ، وإذا أكل غير مقليّ كان كثير الضرر ، وأمزجة الناس تختلف في أكله ، فمنهم من لا يقدر أن يأكله مضافا إلى غيره ، ومنهم من يضيف إليه السكر أو العسل أو غيره من الحلاوات. وقرأت في بعض الكتب أن جالينوس قال إنها تبرىء من التخمة ، وهي جيدة للهضم ، وذكر ابن جزلة في كتاب المنهاج أن بزر شجر القنب البستانيّ هو الشهدانج ، وثمره يشبه حب السمنة ، وهو حب يعصر منه الدهن. وحكي عن حنين بن إسحاق أنّ شجرة البري تخرج في القفار المنقطعة على قدر ذراع ، وورقه يغلب عليه