يرنحها أدنى نسيم تنسّمت |
|
فتهفو إلى برد النسيم المردّد |
وتشدو على أغصانها الورق (١) في الضحى |
|
فيطربها سجع الحمام المغرّد |
وفيها معان ليس في الخمر مثلها |
|
فلا تستمع فيها مقالا مفند |
هي البكر لم تنكح بماء سحابة |
|
ولا عصرت يوما برجل ولا يد |
ولا عبث القسيس يوما بكأسها |
|
ولا قرّبوا من دنها كل مقعد |
ولا نصّ في تحريمها عند مالك |
|
ولا حدّ عند الشافعيّ وأحمد |
ولا أثبت النعمان تنجيس عينها |
|
فخذها بحدّ المشرفيّ المهند |
وكف أكفّ الهمّ بالكف واسترح |
|
ولا تطرح يوم السرور إلى غد |
وكذلك نسب إظهارها إلى الشيخ حيدر الأديب أحمد بن محمد بن الرسّام الحلبيّ فقال :
ومهفهف بادي النفار عهدته |
|
لا ألتقيه قط غير معبس |
فرأيته بعض الليالي ضاحكا |
|
سهل العريكة ريضا في المجلس |
فقضيت منه مآربي وشكرته |
|
إذ صار من بعد التنافر مؤنسي |
فأجابني لا تشكرنّ خلائقي |
|
واشكر شفيعك فهو خمر المفلس |
فحشيشة الأفراح تشفع عندنا |
|
للعاشقين ببسطها للأنفس |
وإذا هممت بصيد ظبي نافر |
|
فاجهد بأن يرعى حشيش القنبس |
واشكر عصابة حيدر إذ أظهروا |
|
لذوي الخلاعة مذهب المتخمّس |
ودع المعطّل للسرور وخلني |
|
من حسن ظنّ الناس بالمتنمّس |
وقد حدّثني الشيخ محمد الشيرازيّ القلندري أنّ الشيخ حيدرا لم يأكل الحشيشة في عمره البتة ، وإنما عامّة أهل خراسان نسبوها إليه لاشتهار أصحابه بها ، وأن إظهارها كان قبل وجوده بزمان طويل ، وذلك أنه كان بالهند شيخ يسمى بيررطن ، هو أوّل من أظهر لأهل الهند أكلها ، ولم يكونوا يعرفونها قبل ذلك ، ثم شاع أمرها في بلاد الهند حتى ذاع خبرها ببلاد اليمن ، ثم فشا إلى أهل فارس ، ثم ورد خبرها إلى أهل العراق والروم والشام ومصر ، في السنة التي قدّمت ذكرها. قال : وكان بيررطن في زمن الأكاسرة ، وأدرك الإسلام وأسلم ، وأنّ الناس من ذلك الوقت يستعملونها ، وقد نسب إظهارها إلى أهل الهند عليّ بن مكيّ في أبيات أنشدنيها من لفظه وهي :
ألا فاكفف الأحزان عني مع الضرّ |
|
بعذراء زفّت في ملاحفها الخضر |
تجلت لنا لما تحلتّ بسندس |
|
فجلّت عن التشبيه في النظم والنثر |
__________________
(١) أغصان ورق : أي كثيرة الورق. مختار الصحاح.