وغيره بالمضارب ، وفي مستهلّ ربيع الأول التحم القتال مع القرامطة على باب القاهرة ، وكان يوم جمعة ، فقتل من الفريقين جماعة وأسر جماعة وأصبحوا يوم السبت متكافئين ، ثم غدوا يوم الأحد للقتال وسار الحسن الأعسم بجميع عساكره ومشى للقتال على الخندق والباب مغلق ، فلما زالت الشمس فتح جوهر الباب واقتتلوا قتالا شديدا ، وقتل خلق كثير ، ثم ولى الأعسم منهزما ولم يتبعه القائد جوهر ونهب سواد الأعسم بالجب ، ووجدت صناديقه وكتبه ، وانصرف في الليل على طريق القلزم ، ونهب بنو عقيل وبنو طيّ كثيرا من سواده. وهو مشغول بالقتال ، وكان جميع ما جرى على القرمطي بتدبير جوهر وجوائز انفذها ، ولو أراد أخذ الأعسم في انهزامه لأخذه ، ولكن الليل حجز فكره جوهر اتباعه خوفا من الحيلة والمكيدة ، وحضر القتال خلق من رعية مصر وأمر جوهر بالنداء في المدينة ، من جاء بالقرمطيّ أو برأسه فله ثلاثمائة ألف درهم ، وخمسون خلعة ، وخمسون سرجا محلى على دوابها ، وثلاث جوائز ، ومدح بعضهم القائد جوهرا بأبيات منها :
كأنّ طراز النصر فوق جبينه |
|
يلوح وأرواح الورى بيمينه |
ولم يتفق على القرامطة منذ ابتداء أمرهم كسرة أقبح من هذه الكسرة ، ومنها فارقهم من كان قد اجتمع إليهم من الكافورية والإخشيدية ، فقبض جوهر على نحو الألف منهم وسجنهم مقيدين.
وقال ابن زولاق في كتاب سيرة الإمام المعز لدين الله ، ومن خطّه نقلت ، وفي هذا الشهر يعني المحرّم ، سنة ثلاث وستين وثلاثمائة ، تبسطت المغاربة في نواحي القرافة والمغاير وما قابرها ، فنزلوا في الدور وأخرجوا الناس من دورهم ، ونقلوا السكان وشرعوا في السكنى في المدينة ، وكان المعز قد أمرهم أن يسكنوا أطراف المدينة ، فخرج الناس واستغاثوا بالمعز ، فأمرهم أن يسكنوا نواحي عين شمس ، وركب المعز بنفسه حتى شاهد المواضع التي ينزلون فيها ، وأمر لهم بمال يبنون به ، وهو الموضع الذي يعرف اليوم بالخندق والحفرة وخندق العبيد ، وجعل لهم واليا وقاضيا ، ثم سكن أكثرهم بالمدينة مخالطين لأهل مصر ، ولم يكن القائد جوهر يبيحهم سكنى المدينة ولا المبيت بها ، وحظر ذلك عليهم ، وكان مناديه ينادي كل عشية لا يبيتن أحد في المدينة من المغاربة.
وقال ياقوت : منية الأصبغ تنسب إلى الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان ، ولا يعرف اليوم بمصر موضع يعرف بهذا الاسم ، وزعموا أنها القرية المعروفة بالخندق قريبا من شرقيّ القاهرة. وقال ابن عبد الظاهر : الخندق هو منية الأصبغ ، وهو الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان. قال مؤلفه رحمهالله : وقد وهم ابن عبد الظاهر فجعل أن الخندق احتفره العزيز بالله ، وإنما احتفره جوهر كما تقدّم ، وأدركت الخندق قرية لطيفة يبرز الناس من القاهرة إليها ليتنزهوا بها في أيام النيل والربيع ، ويسكنها طائفة كبيرة ، وفيها بساتين عامرة بالنخيل