وثلاثون ألف دينار ـ وإذا بالخبر قد ورد بقدوم شاور من الشام ومعه أسد الدين شير كوه في كثير من الغزّ ، فأزعجه ذلك ، وأصبح الناس يوم التاسع والعشرين من جمادى الأولى سنة تسع وخمسين وخمسمائة خائفين على أنفسهم وأموالهم ، فجمعوا الأقوات والماء وتحوّلوا من مساكنهم ، وخرج همام بالعسكر أوّل يوم من جمادى الآخرة ، فسار إلى بلبيس وكانت له وقعة مع شاور انهزم فيها ، وصار إلى شاور وأصحابه جميع ما كان مع عسكر همام ، وأسروا عدّة ، ونزل شاور بمن معه إلى التاج ظاهر القاهرة في يوم الخميس سادس جمادى الآخرة ، فجمع ضرغام الناس ، وضمّ إليه الطائفة الريحانية والطائفة الجيوشية بداخل القاهرة ، وشاور مقيم بالتاج مدّة أيام ـ وطوالعه من العربان ـ فطارد عسكر ضرغام بأرض الطبّالة خارج القاهرة ، ثمّ سار شاور ونزل بالمقس ، فخرج إليه عسكر ضرغام ، وحاربوه فانهزم هزيمة قبيحة ، وسار إلى بركة الحبش ، ونزل بالشرف الذي يعرف اليوم بالرصد ، وملك مدينة مصر ، وأقام بها أياما ، فأخذ ضرغام مال الأيتام الذي كان بمودع الحكم ، فكرهه الناس واستعجزوه ، ومالوا مع شاور ، فتنكّر منهم ضرغام وتحدّث بإيقاع العقوبة بهم فزاد بغضهم له ، ونزل شاور في أرض اللوق خارج باب زويلة ، وطارد رجال ضرغام وقد خلت المنصورة والهلالية ، وثبت أهل اليانسية بها ، وزحف إلى باب سعادة وباب القنطرة ، وطرح النار في اللؤلؤة وما حولها من الدور ، وعظمت الحروب بينه وبين أصحاب ضرغام ، وفني كثير من الطائفة الريحانية ، فبعثوا إلى شاور ووعدوه بأنّهم عون له ، فانحلّ أمر ضرغام ، فأرسل العاضد إلى الرماة يأمرهم بالكفّ عن الرمي ، فخرج الرجال إلى شاور وصاروا من جملته وفترت همة أهل القاهرة ، وأخذ كلّ منهم يعمل الحيلة في الخروج إلى شاور ، فأمر ضرغام بضرب الأبواق لتجتمع الناس فضربت الأبواق والطبول ما شاء الله من فوق الأسوار فلم يخرج إليه أحد ، وانفكّ عنه الناس ، فسار إلى باب الذهب (١) من أبواب القصر ومعه خمسمائة فارس ، فوقف وطلب من الخليفة أن يشرف عليه من الطاق ، وتضرّع إليه وأقسم عليه بآبائه فلم يجبه أحد ، واستمرّ واقفا إلى العصر والناس تنحلّ عنه حتّى بقي في نحو ثلاثين فارسا ، فوردت عليه رقعة فيها خذ نفسك وانج بها ، وإذا بالأبواق والطبول قد دخلت من باب القنطرة (٢) ومعها عساكر شاور ، فمرّ ضرغام إلى باب زويلة ، فصاح الناس عليه ولعنوه ، وتخطّفوا من معه ، وأدركه القوم فأردوه عن فرسه قريبا من الجسر الأعظم فيما بين القاهرة ومصر (٣) ، واحتزوا رأسه في سلخ جمادى الآخرة ، وفرّ منهم أخوه إلى جهة المطريّة
__________________
(١) في النجوم الزاهرة ٤ / ٣٧ : وهو من الأبواب الغربية ، ومن أعظم الأبواب وأجلّها ، كانت تدخل منه المواكب وجميع أهل الدولة ، وكان تجاه البيمارستان المنصوري.
(٢) في النجوم الزاهرة ٤ / ٤٠ : أحد أبواب القاهرة بناه القائد جوهر.
(٣) في الكامل لابن الأثير ٩ / ٨٥ : قتل عند مشهد السيدة نفيسة ، وبقي يومين ثم حمل ودفن في القرافة.