الملك عن نفسها فامتنعت عليه ، فذهب ليمدّ يده إليها فقالت : إنك إن وضعت يدك عليّ أهلكت نفسك ، لأنّ لي ربا يمنعني منك. فلم يلتفت إلى قولها ومدّ يده إليها ، فجفت يده وبقي حائرا. فقال لها : أزيلي عني ما قد أصابني. فقالت : على أن لا تعاود مثل ما أتيت. قال : نعم. فدعت الله سبحانه وتعالى فزال عنه ورجعت يده إلى حالها. فلما وثق بالصحة راودها ومناها ووعدها بالإحسان ، فامتنعت وقالت : قد عرفت ما جرى. ثم مدّ يده إليها فجفت وضربت عليه أعضاؤه وعصبه ، فاستغاث بها وأقسم بالآلهة أنها إن أزالت عنه ذلك فإنه لا يعاودها. فسألت الله تعالى ، فزال عنه ذلك ورجع إلى حاله فقال : إنّ لك لربا عظيما لا يضيعك ، فأعظم قدرها وسألها عن إبراهيم فقالت : هو قريبي وزوجي. قال : فإنه قد ذكر أنك أخته. قالت : صدق ، أنا أخته في الدين ، وكل من كان على ديننا فهو أخ لنا. قال : نعم الدين دينكم.
ووجه إلى ابنته جوريا ، وكانت من الكمال والعقل بمكان كبير ، فألقى الله تعالى محبة سارة في قلبها ، فكانت تعظمها وأضافتها أحسن ضيافة ، ووهبت لها جوهرا ومالا. فأتت به إبراهيم عليهالسلام فقال لها : ردّيه فلا حاجة لنا به. فردّته ، وذكرت ذلك جوريا لأبيها. فعجب منهما وقال : هذا كريم من أهل بيت الطهارة ، فتحيلي في برّها بكل حيلة ، فوهبت لها جارية قبطية من أحسن الجواري يقال لها آجر ، وهي هاجر أم إسماعيل عليهالسلام ، وجعلت لها سلالا من الجلود ، وجعلت فيها زاد وحلوى وقالت : يكون هذا الزاد معك ، وجعلت تحت الحلوى جوهرا نفيسا وحليا مكللا. فقالت سارة : أشاور صاحبي. فأتت إبراهيم عليهالسلام واستأذنته فقال : إذا كان مأكولا فخذيه. فقبلته منها.
وخرج إبراهيم ، فلما مضى وأمعنوا في السير ، أخرجت سارة بعض تلك السلال فأصابت الجوهر والحلي ، فعرّفت إبراهيم عليهالسلام ذلك ، فباع بعضه وحفر من ثمنه البئر التي جعلها للسبيل ، وفرّق بعضه في وجوه البرّ ، وكان يضيف كل من مرّ به ، وعاش طيطوس إلى أو وجهت هاجر من مكة تعرّفه أنها بمكان جدب وتستغيثه ، فأمر بحفر نهر في شرقيّ مصر بسفح الجبل حتى ينتهي إلى مرقى السفن في البحر الملح ، فكان يحمل إليها الحنطة وأصناف الغلات ، فتصل إلى جدّة وتحمل من هناك على المطايا ، فأحيا بلد الحجاز مدّة ، ويقال إنما حلّيت الكعبة في ذلك العصر مما أهداه ملك مصر ، وقيل أنه لكثرة ما كان يحمله طوطيس إلى الحجاز سمته العرب وجرهم الصادوق ، ويقال أنه سأل إبراهيم عليهالسلام أن يبارك له في بلده فدعا بالبركة لمصر ، وعرّفه أن ولده سيملكها ويصير أمرها إليهم قرنا بعد قرن.
وطوطيس أوّل فرعون كان بمصر ، وذلك أنه أكثر من القتل حتى قتل قراباته وأهل بيته وبني عمه وخدمه ونساءه ، وكثيرا من الكهنة والحكماء ، وكان حريصا على الولد فلم يرزق