وأشعاره كلها حسنة ، وكانت وفاته في ذي القعدة سنة أربع وسبعين وثلاثمائة ، وقد ذكر كلا من الماردانيّ وابن حنا والأفضل. وأما ابن مماتي فإنه أسعد بن مهذب بن زكريا بن قدامة بن نينا شرف الدين مماتي أبي المكارم بن سعيد بن أبي المليح الكاتب المصري ، فأصله من نصارى أسيوط من صعيد مصر ، واتصل جدّه أبو المليح بأمير الجيوش بدر الجماليّ وزير مصر في أيام الخليفة المستنصر بالله ، وكتب في ديوان مصر ، وولي استيفاء الديوان ، وكان جوادا ممدوحا انقطع إليه أبو الطاهر إسماعيل بن محمد المعروف بابن مكيسة الشاعر ، فمن قوله فيه لما مات :
طويت سماء المكرما |
|
ت وكوّرت شمس المديح |
وتناثرت شهب العلا |
|
من بعد موت أبي المليح |
ما كان بالنكس الدن |
|
يء من الرجال ولا الشحيح |
كفر النصارى بعد ما |
|
عذروا به دون المسيح |
ورثاه جماعة من الشعراء ، ولما مات ولي ابنه المهذب بن أبي المليح زكريا ديوان الجيش بمصر في آخر الدولة الفاطمية ، فلما قدم الأمير أسد الدين شيركوه وتقلد وزارة الخليفة العاضد شدّد على النصارى وأمرهم بشدّ الزنانير على أوساطهم ، ومنعهم من إرخاء الذؤابة التي تسمى اليوم بالعذبة ، فكتب لأسد الدين :
يا أسد الدين ومن عدله |
|
يحفظ فينا سنّة المصطفى |
كفى غيارا شدّ أوساطنا |
|
فما الذي أوجب كشف القفا |
فلم يسعفه بطلبته ، ولا مكنه من إرخاء الذؤابة ، وعند ما آيس من ذلك أسلم ، فقدّم على الدواوين حتى مات ، فخلفه ابنه أبو المكارم أسعد بن مهذب الملقب بالخطير على ديوان الجيش ، واستمرّ في ذلك مدّة أيام السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب ، وأيام ابنه الملك العزيز عثمان ، وولي نظر الدواوين أيضا ، واختص بالقاضي الفاضل ، وحظي عنده ، وكان يسميه بلبل المجلس لما يرى من حسن خطابه ، وصنف عدّة مصنفات منها : تلقين اليقين فيه الكلام على حديث بني الإسلام على خمس. وكتاب حجة الحق على الخلق في التحذير من سوء عاقبة الظلم. وهو كبير ، وكان السلطان صلاح الدين يكثر النظر فيه ، وقال فيه القاضي الفاضل : وقفت من الكتب على ما لا تحصى عدّته ، فما رأيت والله كتابا يكون قبالة باب منه ، وإنه والله من أهمّ ما طالعه الملوك وكتاب قوانين الدواوين ، صنفه للملك العزيز فيما يتعلق بدواوين مصر ورسومها وأصولها وأحوالها وما يجري فيها ، وهو أربعة أجزاء ضخمة ، والذي يقع في أيدي الناس جزء واحد اختصره منه غير المصنف ، فإنّ ابن مماتي ذكر فيه أربعة آلاف ضيعة من أعمال مصر ، ومساحة كل ضيعة ، وقانون ريها ومتحصلها من عين وغلة ، ونظّم سيرة السلطان صلاح الدين يوسف ، ونظم كليلة ودمنة ،