وأمرهم بإقامة جسر يصدج الماء عن القاهرة خشية أن يكون نيل مثل هذا ، وكتب بإحضار خولة البلاد ، فلما تكاملوا أمرهم فساروا إلى النيل وكشفوا الساحل كله ، فوجدوا ناحية الجزيرة مما يلي المنية قد صارت أرضها وطيئة ، ومن هناك يخاف على البلد من الماء ، فلما عرّفوا السلطان بذلك أمر بإلزام من له دار على النيل بمصر أو منشأة المهرانيّ أو منشأة الكتاب أو بولاق أن يعمر قدّامها على البحر زريبة ، وأنه لا يطلب منهم عليها حكر ، ونودي بذلك ، وكتب مرسوم بمسامحتهم من الحكر عن ذلك ، فشرع الناس في عمل الزرابي ، وتقدّم إلى الأمراء بطلب فلاحي بلادهم وإحضارهم بالبقر والجراريف لعمل الجسر من بولاق إلى منية الشيرج ، ونزل المهندسون فقاسوا الأرض وفرضوا لكل أمير أقصابا معينة ، وضرب كلّ أمير خيمته وخرج لمباشرة ما عليه من العمل ، فأقاموا في عمله عشرين يوما حتى فرغ ، ونصبت عندهم الأسواق ، فجاء ارتفاعه من الأرض أربع قصبات في عرض ثماني قصبات ، فانتفع الناس به انتفاعا كبيرا ، وقدّر الله سبحانه وتعالى أن الزرع في تلك السنة حسن إلى الغاية ، وأفلح فلاحا عجيبا ، وانحط السعر لكثرة ما زرع من الأراضي ، وخصب السنة ، وكان قد اتفق في سنة سبع عشرة وسبعمائة غرق ظاهر القاهرة أيضا ، وذلك أن النيل وفي ستة عشر ذراعا في ثالث عشر جمادى الأولى وهو التاسع والعشرون من شهر أبيب أحد شهور القبط ، ولم يعهد مثل ذلك ، فإن الأنيال البدرية يكون وفاؤها في العشر الأول من مسرى ، فلما كسر سدّ الخليج توقفت الزيادة مدّة أيام ، ثم زاد وتوقف إلى أن دخل تاسع توت ، والماء على سبعة عشر ذراعا وستة أصابع ، ثم زاد في يوم تسعة أصابع ، واستمرّت الزيادة حتى صار على ثانية عشر ذراعا وستة أصابع ، ففاض الماء وانقطع طريق الناس فيما بين القاهرة ومصر ، وفيما بين كوم الريش والمنية ، وخرج من جانب المنية وغرّقها ، فكتب بفتح جميع الترع والجسور بسائر الوجه القبليّ والبحريّ ، وكسر بحر أبي المنجا وفتح سدّ بلبيس وغيره قبل عيد الصليب ، وغرقت الأقصاب والزراعات الصيفية ، وعمّ الماء ناحية منية الشيرج ، وناحية شبر ، فخربت الدور التي هناك ، وتلف للناس مال كثير ، من جملته زيادة على ثمانين ألف جرّة خمر فارغة تكسرت في نايحة المنية وشبرا عند هجوم الماء ، وتلفت مطامير الغلة من الماء ، حتى بيع قدح القمح بفلس ، والفلس يومئذ جزء من ثمانية وأربعين جزأ من درهم ، وصار من بولاق إلى شبرا بحرا واحدا تمرّ فيه المراكب للنزهة في بساتين الجزيرة إلى شبرا ، وتلفت الفواكه والمشمومات ، وقلت الخضر التي يحتاج إليها في الطعام ، وغرقت منشأة المهرانيّ ، وفاض الماء من عند خانقاه رسلان ، وأفسد بستان الخشاب واتصل الماء بالجزيرة التي تعرف بجزيرة الفيل إلى شبرا ، وغرقت الأقصاب التي في الصعيد ، فإن الماء أقام عليها ستة وخمسين يوما ، فعصرت كلها عسلا فقط ، وخربت سائر الجسور وعلاها الماء ، وتأخر هبوطه عن الوقت المعتاد ، فسقطت عدّة دور بالقاهرة ومصر ، وفسدت منشأة الكتاب المجاورة لمنشأة المهرانيّ ، فلذلك عمل السلطان الجسر