إلى ما هو أشبه به وأولى ، وإلّا رجوت من الله عزوجل كفاية أمره وحسم مادّة شرّه ، وأجراءنا في الحياطة على أجمل عادته عندنا والسلام.
فلما وصل الكتاب إلى الموفق أقلقه وبلغ منه مبلغا عظيما ، وأغاظه غيظا شديدا ، وأحضر موسى بن بغا وكان عون الدولة وأشدّ أهلها بأسا وإقداما ، فتقدّم إليه في صرف أحمد بن طولون عن مصر وتقليدها ماخور ، فامتثل ذلك وكتب إلى ماخور كتاب التقليد وأنفذه إليه ، فلما وصل إليه الكتاب توقف عن إرساله إلى أحمد بن طولون لعجزه عن مناهضته ، وخرج موسى بن بغا عن الحضرة مقدّرا أنه يدور عمل المفوّض ليحمل الأموال منه ، وكتب إلى ماخور أمير الشام ، وإلى أحمد بن طولون أمير مصر ، لما بلغه من توقف ما خور عن مناهضته يأمرهما بحمل الأموال ، وعزم على قصد مصر والإيقاع بابن طولون واستخلاف ماخور عليها ، فسار إلى الرقة وبلغ ذلك ابن طولون فأقلقه وغمه ، لا لأنه يقصر عن موسى بن بغا ، لكن لتحمله هتك الدولة ، وأن يأتي سبيل من قاوم السلطان وحاربه وكسر جيوشه ، إلّا أنه لم يجد بدّا من المحاربة ليدفع عن نفسه ، وتأمّل مدينة فسطاط مصر فوجدها لا تؤخذ إلّا من جهة النيل ، فأراد لكبر همته وكثرة فكره في عواقب الأمور ، أن يبني حصنا على الجزيرة التي بين الفسطاط والجيزة ليكون معقلا لحرمه وذخائره. ثم يشتغل بعد ذلك بحرب من يأتي من البر ، وقد زاد فذكره فيمن يقدم من النيل ، فأمر ببناء الحصن على الجزيرة ، واتخذ مائة مركب حربية سوى ما ينضاف إليها من العلابيات والحمائم والعشاريات والسنابيك وقوارب الخدمة ، وعمد إلى سدّ وجه البحر الكبير ، وأن يمنع ما يجيء إليه من مراكب طرسوس وغيرها من البحر الملح إلى النيل ، بأن توقف هذه المراكب الحربية في وجه البحر الكبير ، خوفا مما سيجيء من مراكب طرسوس ، كما فعل محمد بن سليمان من بعده بأولاده ، كأنه ينظر إلى الغيب من ستر رقيق ، وجعل فيها من يذب عن هذه الجزيرة ، وأنفذ إلى الصعيد وإلى أسفل الأرض بمنع من يحمل الغلال إلى البلاد ، ليمنع من يأتي من البرّ الميرة ، وأقام موسى بن بغا بالرقة عشرة أشهر ، وقد اضطربت عليه الأتراك وطالبوه بأرزاقهم مطالبة شديدة ، بحيث استتر منهم كاتبه عبيد الله بن سليمان لتعذر المال عليه ، وخوفه على نفسه منهم ، فخاف موسى بن بغا عند ذلك ودعته ضرورة الحال إلى الرجوع ، فعاد إلى الحضرة ولم يقم بها سوى شهرين ومات من علة ، في صفر سنة أربع وستين ومائتين ، هذا وأحمد بن طولون يجدّ في بناء الحصن على الجزيرة ، وقد ألزم قوّاده وثقاته أمر الحصن ، وفرّقه عليهم قطعا ، قام كلّ واحد بما لزمه من ذلك ، وكدّ نفسه فيه ، وكان يتعاهدهم بنفسه في كلّ يوم ، وهو في غفلة عما صنعه الله تعالى له من الكفاية والغنى عما يعانيه ، ومن كثرة ما بذل في هذا العمل ، قدّر أنّ كلّ طوبة منه وقفت عليه بدرهم صحيح ، ولما تواترت الأخبار بموت موسى بن بغا كف عن العمل ، وتصدّق بمال كثير شكرا لله تعالى على ما منّ به عليه من صيانته عما يقبح فيه عنه إلّا حدوثة ، وما رأى الناس