خزانة شمائل : هذه الخزانة كانت بجوار باب زويلة ، على يسرة من دخل منه بجوار السور ، عرفت بالأمير علم الدين شمائل والي القاهرة في أيام الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب ، وكانت من أشنع السجون وأقبحها منظرا ، يحبس فيها من وجب عليه القتل أو القطع من السرّاق وقطاع الطريق ، ومن يريد السلطان إهلاكه من المماليك وأصحاب الجرائم العظيمة ، وكان السجان بها يوظف عليه والي القاهرة شيئا يحمله من المال له في كل يوم ، وبلغ ذلك في أيام الناصر فرج مبلغا كبيرا ، وما زالت هذه الخزانة على ذلك إلى أن هدمها الملك المؤيد شيخ المحموديّ في يوم الأحد العاشر من شهر ربيع الأول ، سنة ثمان عشرة وثمانمائة ، وأدخلها في جملة ما هدمه من الدور التي عزم على عمارة أماكنها مدرسة.
وشمائل هذا : هو الأمير علم الدين ، قدم إلى القاهرة وهو من فلاحي بعض قرى مدينة حماه في أيام الملك الكامل محمد بن العادل ، فخدم جاندار في الركاب السلطاني إلى أن نزل الفرنج على مدينة دمياط في سنة خمس عشرة وستمائة ، وملكوا البرّ وحصروا أهلها وحالوا بينهم وبين من يصل إليهم ، فكان شمائل هذا يخاطر بنفسه ويسبح في الماء بين المراكب ويردّ على السلطان الخبر ، فتقدّم عند السلطان وحظي لديه حتى أقامه أمير جاندار ، وجعله من أكبر أمرائه ، ونصه سيف نقمته ، وولاه ولاية القاهرة ، فباشر ذلك إلى أن مات السلطان وقام من بعده ابنه الملك العادل أبو بكر ، فلما خلع بأخيه الملك الصالح نجم الدين أيوب نقم على شمائل.
المقشرة : هذا السجن بجوار باب الفتوح ، فيما بينه وبين الجامع الحاكمي ، كان يقشر فيه القمح ، ومن جملته برج من أبراج السور على يمنة الخارج من باب الفتوح ، استجدّ بأعلاه دور لم تزل إلى أن هدمت خزانة شمائل ، فعين هذا البرج والمقشرة لسجن أرباب الجرائم ، وهدمت الدور التي كانت هناك في شهر ربيع الأوّل سنة ثمان وعشرين وثمانمائة ، وعمل البرج والمقشرة سجنا ونقل إليه أرباب الجرائم ، وهو من أشنع السجون وأضيقها ، يقاسي فيه المسجونون من الغمّ والكرب ما لا يوصف ، عافانا الله من جميع بلائه.
الجب بقلعة الجبل : هذا الجب كان بقلعة الجبل يسجن فيه الأمراء ، وابتدئ عمله في سنة إحدى وثمانين وستمائة ، والسلطان حينئذ الملك المنصور قلاون ، ولم يزل إلى أن هدمه الملك الناصر محمد بن قلاون في يوم الاثنين سابع عشر جمادى الأولى ، سنة تسع وعشرين وسبعمائة ، وذلك أنّ شادّ العمائر نزل إليه ليصلح عمارته فشاهد أمرا مهولا من الظلام وكثرة الوطاويط والروائح الكريهة ، واتفق مع ذلك أن الأمير بكتمر الساقي كان عنده شخص يسخر به ويمازحه ، فبعث به إلى الجب ودلي فيه ، ثم أطلعه من بعد ما بات به ليلة ، فلما حضر إلى بكتمر أخبره بما عاينه من شناعة الجب ، وذكر ما فيه من القبائح المهولة ،