ديوان الجيش ما يشهد بأن البستان ليس من حقوق الديوان ، فأمر بردّه عليه فتسلمه. وأحضرت مرافعة في ورقة مختومة رفعها خادم أسود في مولاه القاضي شمس الدين شيخ الحنابلة ، تضمنت أنه يبغض السلطان ويتمنى زوال دولته ، فإنه لم يجعل للحنابلة مدرّسا في المدرسة التي أنشأها بخط بين القصرين ، ولم يولّ قاضيا حنبليا ، وذكر عنه أمورا قادحة ، فبعث السلطان الورقة إلى الشيخ ، فحضر إليه وحلف أنه ما جرى منه شيء ، وأن هذا الخادم طردته فاختلق عليّ ما قال. فقبل السلطان عذره وقال : ولو شتمتني أنت في حلّ ، وأمر بضرب الخادم مائة عصا. وغلت الأسعار بمصر حتى بلغ أردب القمح نحو مائة درهم ، وعدم الخبز ، فنادى السلطان في الفقراء أن يجتمعوا تحت القلعة ، ونزل في يوم الخميس سابع ربيع الآخر منها وجلس بدار العدل هذه ونظر في أمر السعر وأبطل التسعير ، وكتب مرسوما إلى الأمراء ببيع خمسمائة أردب ، في كلّ يوم ما بين مائتين إلى ما دونهما ، حتى لا يشتري الخزان شيئا ، وأن يكون البيع للضعفاء والأرامل فقط دون من عداهم ، وأمر الحجاب فنزلوا تحت القلعة وكتبوا أسماء الفقراء الذين تجمعوا بالرميلة ، وبعث إلى كلّ جهة من جهات القاهرة ومصر وضواحيهما حاجبا لكتابة أسماء الفقراء ، وقال : والله لو كان عندي غلة تكفي هؤلاء لفرّقتها ، ولما انتهى إحضار الفقراء أخذ منهم لنفسه ألوفا ، وجعل باسم ابنه الملك السعيد ألوفا ، وأمر ديوان الجيش فوزع باقيهم ، على كلّ أمير من الفقراء بعدّة رجاله ، ثم فرّق ما بقي على الأجناد ، ومفاردة الحلقة ، والمقدّمين ، والبحرية ، وجعل طائفة التركمان ناحية وطائفة الأكراد ناحية ، وقرّر لكلّ واحد من الفقراء كفايته لمدّة ثلاثة أشهر ، فلما تسلم الأمراء والأجناد ما خصهم من الفقراء فرّق من بقي منهم على الأكابر والتجار والشهود ، وعين لأرباب الزوايا مائة أردب قمح في كلّ يوم ، تخرج من الشون السلطانية إلى جامع أحمد بن طولون وتفرّق على من هناك ، ثم قال : هؤلاء المساكين الذين جمعناهم اليوم ومضى النهار لا بدّ لهم من شيء ، وأمر ففرّق في كلّ منهم نصف درهم ليتقوّت به في يومه ، ويستمرّ له من الغد ما تقرّر ، فأنفق فيهم جملة مال ، وأعطى للصاحب بهاء الدين عليّ بن محمد بن حنا طائفة كبيرة من العميان ، وأخذ الأتابك سيف الدين أقطاي طائفة التركمان ، ولم يبق أحد من الخواص والأمراء الحواشي ولا من الحجاب والولاة وأرباب المناصب وذوي المراتب وأصحاب الأموال حتى أخذ جماعة من الفقراء على قدر حاله.
وقال السلطان للأمير صارم الدين المسعوديّ والي القاهرة : خذ مائة فقير وأطعمهم لله تعالى. فقال : نعم قد أخذتهم دائما. فقال له السلطان هذا شيء فعلته ابتداء من نفسك ، وهذه المائة خذها لأجلي. فقال للسلطان : السمع والطاعة ، وأخذ مائة فقير زيادة على المائة التي عينت له ، وانقضى النهار في هذا العمل وشرع الناس في فتح الشون والمخازن وتفرقة الصدقات على الفقراء ، فنزل سعر القمح ونقص الأردب عشرين درهما ، وقلّ وجود