فكان السلطان يكتفي بالنائب ولا يتصدّى لقراءة القصص عليه وسماع الشكوى ، تعويلا منه على قيام النائب بهذا الأمر ، وإذا قرئت القصص على النائب نظر ، فإن كان مرسومه يكفي فيها أصدره عنه ، وما لا يكفي فيه إلّا مرسوم السلطان أمر بكتابته عن السلطان وأصدره ، فيكتب ذلك وينبه فيه على أنه بإشارة النائب ، ويميز عن نوّاب السلطان بالممالك الشامية بأن يعبر عنه بكافل المملكة الشريفة الإسلامية ، وما كان من الأمور التي لا بدّ له من إحاطة علم السلطان بها ، فإنه إما أن يعلمه بذلك منه إليه وقت الاجتماع به ، أو يرسل إلى السلطان من يعلمه به ، ويأخذ رأيه فيه وكان ديوان الإقطاع ، وهو الجيش في زمان النيابة ليس لهم خدمة إلا عند النائب ، ولا اجتماع إلّا به ، ولا يجتمع ناظر الجيش بالسلطان في أمر من الأمور ، فلما أبطل الملك الناصر محمد بن قلاون النيابة ، صار ناظر الجيش يجتمع بالسلطان ، واستمرّ ذلك بعد إعادة النيابة ، وكان الوزير وكاتب السرّ يراجعان النائب في بعض الأمور دون بعض ، ثم اضمحلت نيابة السلطنة في أيام الناصر محمد بن قلاون ، وتلاشت أوضاعها ، فلما مات أعيدت بعده ولم تزل إلى أثناء أيام الظاهر برقوق ، وآخر من وليها على أكثر قوانينها الأمير سودون الشيخيّ ، وبعده لم يل النيابة أحد في الأيام الظاهرية ، ثم إن الناصر فرج بن برقوق أقام الأمير تمراز في نيابة السلطنة ، فلم يسكن دار النيابة في القلعة ، ولا خرج عما يعرفه من حال حاجب الحجاب ، ولم يل النيابة بعد تمراز أحد إلى يومنا هذا ، وكانت حقيقة النائب أنه السلطان الثاني ، وكانت سائر نوّاب الممالك الشامية وغيرها تكاتبه في غالب ما تكاتب فيه السلطان ، ويراجعونه فيه ، كما يراجع السلطان ، وكان يستخدم الجند ويخرج الإقطاعات من غير مشاورة ، ويعين الأمر لكن بمشاورة السلطان ، وكان النائب هو المتصرّف المطلق التصرّف في كلّ أمر ، فيراجع في الجيش والمال والخبر ، وهو البريد ، وكلّ ذي وظيفة لا يتصرّف إلّا بأمره ، ولا يفصل أمرا معضلا إلّا مراجعته ، وهو الذي يستخدم الجند ويرتب في الوظائف إلّا ما كان منها جليلا كالوزارة والقضاء وكتابة السرّ والجيش ، فإنه يعرض على السلطان من يصلح ، وكان قل أن لا يجاب في شيء يعينه ، وكان من عدا نائب السلطنة بديار مصر يليه في رتبة النيابة ، وكلّ نوّاب الممالك تخاطب بملك الأمراء إلّا نائب السلطنة بمصر فإنه يسمى كافل الممالك ، تمييزا له وإبانة عن عظيم محله ، وبالحقيقة ما كان يستحق اسم نيابة السلطنة بعد النائب بمصر سوى نائب الشام بدمشق فقط ، وإنما كانت النيابة تطلق أيضا على أكابر نوّاب الشام ، وليس لأحد منهم من التصرّف ما كان لنائب دمشق ، إلّا أن نيابة السلطنة بحلب تلي رتبة نيابة السلطنة بدمشق ، وقد اختلت الآن الرسوم ، واتضعت الرتب ، وتلاشت الأحوال ، وعادت أسماء لا معنى لها ، وخيالات حاصلها عدم. والله يفعل ما يشاء.