وخطب لخليفة بغداد المستنصر بأمر الله أبي محمد بن الحسن العباسيّ ، وكان العاضد مريضا فتوفي بعد ذلك بثلاثة أيام ، واستبدّ صلاح الدين بالسلطنة من أوّل سنة سبع وستين وخمسمائة ، واستدعى أباه نجم الدين أيوب وإخوته من بلاد الشام ، فقدموا عليه بأهاليهم.
وتأهب لغزو الفرنج وسار إلى الشوبك وهي بيد الفرنج ، فواقعهم وعاد إلى أيلة فجبى الزكوات من أهل مصر وفرّقها على أصنافها ، ورفع إلى بيت المال سهم العاملين وسهم المؤلفة وسهم المقاتلة وسهم المكاتبين ، وأنزل الغز بالقصر الغربيّ وأحاط بأموال القصر وبعث بها إلى الخليفة ببغداد ، وإلى السلطان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي بالشام ، فأتته الخلع الخليفية فلبسها ، ورتب نوب الطبلخاناه في كلّ يوم ثلاث مرّات ، ثم سار إلى الإسكندرية ، وبعث ابن أخيه تقيّ الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب على عسكر إلى برقة ، وعاد إلى القاهرة. ثم سار في سنة ثمان وخمسين إلى الكرك وهي بيد الفرنج فحصرها وعاد بغير طائل ، فبعث أخاه الملك المعظم شمس الدولة توران شاه ابن أيوب إلى بلاد النوبة ، فأخذ قلعة إبريم وعاد بغنائم وسبي كثير ، ثم سار لأخذ بلاد اليمن فملك زبيد وغيرها ، فلما مات نور الدين محمود بن زنكي توجه السلطان صلاح الدين في أوّل صفر سنة سبعين إلى الشام وملك دمشق بغير مانع ، وأبطل ما كان يؤخذ بها من المكوس كما أبطلها من ديار مصر ، وأخذ حمص وحماه ، وحاصر حلب وبها الملك الصالح مجير الدين إسماعيل بن العادل نور الدين محمود بن زنكي ، فقاتله أهلها قتالا شديدا ، فرحل عنها إلى حمص وأخذ بعلبك بغير حصار ، ثم عاد إلى حلب ، فوقع الصلح على أن يكون له ما بيده من بلاد الشام مع المعرّة وكفر طاب ، ولهم ما بأيديهم ، وعاد فأخذ بغزاس بعد حصار ، وأقام بدمشق ، وندب قراقوس التقويّ لأخذ بلاد المغرب ، فأخذ أيجلن وعاد إلى القاهرة. وكانت بين السلطان وبين الحبيين وقعة هزمهم فيها وحصرهم بحلب أياما ، وأخذ بزاعة ومنبج وعزاز ، ثم عاد إلى دمشق.
وقدم القاهرة في سادس عشرى ربيع الأوّل سنة اثنتين وسبعين بعد ما كانت لعساكره حروب كثيرة مع الفرنج ، فأمر ببناء سور يحيط بالقاهرة ومصر وقلعة الجبل ، وأقام على بنائه الأمير بهاء الدين قراقوش الأسديّ ، فشرع في بناء قلعة الجبل وعمل السور وحفر الخندق حوله ، وبدأ السلطان بعمل مدرسة بجوار قبر الإمام الشافعيّ رضياللهعنه في القرافة ، وعمل مارستانا بالقاهرة ، وتوجه إلى الإسكندرية فصام بها شهر رمضان ، وسمع الحديث على الحافظ أبي طاهر أحمد السلفيّ ، وعمر الأسطول وعاد إلى القاهرة ، وأخرج قراقوش التقويّ إلى بلاد المغرب ، وأمر بقطع ما كان يؤخذ من الحجاج ، وعوّض أمير مكة عنه في كلّ سنة ألفي دينار وألف أردب غلة ، سوى إقطاعه بصعيد مصر وباليمن ، ومبلغه ثمانية آلاف أردب.