الدين أيوب ، كان قد أقرّه أبوه السلطان الملك الكامل محمد ببلاد الشرق ، وجعل ابنه العادل أبا بكر وليّ عهده في السلطنة بمصر ، فلما مات قام من بعده العادل في السلطنة ، وتنكر ما بينه وبين ابن عمه الملك الجواد مظفر الدين يونس بن مودود بن العادل أبي بكر بن أيوب ، وهو نائب دمشق ، فاستدعى الصالح نجم الدين من بلاد الشرق ورتب ابنه المعظم ثوران شاه على بلاد الشرق ، وأقرّه بحصن كيفا ، وقدم دمشق وملكها ، فكاتبه أمراء مصر تحثه على أخذها من أخيه العادل ، وخامر عليه بعضهم ، فسار من دمشق في رمضان سنة ست وثلاثين ، فانزعج العادل انزعاجا كبيرا وكتب إلى الناصر داود صاحب الكرك ، فسار إليه ليعاونه على أخيه الصالح ، فاتفق مسير الملك الصالح إسماعيل بن العادل أبي بكر بن أيوب من حماه وأخذه دمشق للملك العادل أبي بكر بن الملك الكامل محمد ، في سابع عشري صفر سنة سبع وثلاثين ، والملك الصالح نجم الدين أيوب يومئذ على نابلس ، فانحلّ أمره وفارقه من معه حتى لم يبق معه إلّا مماليكه ، وهم نحو الثمانين ، وطائفة من خواصه نحو العشرين ، وأما الجميع فإنهم مضوا إلى دمشق وكان الناصر داود قد فارق العادل وسار من القاهرة مغاضبا له إلى الكرك ، ومضى إلى الصالح نجم الدين أيوب وقبضه بنابلس في ثاني عشر ربيع الأول منها وسجنه بالكرك ، فأقام مماليك الصالح بالكرك حتى خلص من سجنه في سابع عشري شهر رمضان منها ، فاجتمع عليه مماليكه وقد عظمت مكانتهم عنده ، وكان من أمره ما كان حتى ملك مصر ، فرعى لهم ثباتهم معه حين تفرّق عنه الأكراد ، وأكثر من شرائهم وجعلهم أمراء دولته وخاصته وبطانته والمحيطين بدهليزه ، إذا سافر وأسكنهم معه في قلعة الروضة ، وسماهم البحرية ، وكانوا دون الألف مملوك ، قيل ثمانمائة ، وقيل سبعمائة وخمسون ، كلهم أتراك. فلما مات الملك الصالح بالمنصورة أحس الفرنج بشيء من ذلك ، فركبوا من مدينة دمياط وساروا على فارسكور ، وواقعوا العسكر في يوم الثلاثاء أوّل شهر رمضان سنة سبع وأربعين ، ونزلوا بقرية شرمشاح ، ثم بالبرمون ، ونزلوا تجاه المنصورة ، فكانت الحروب بين الفريقين إلى خامس ذي القعدة ، فلم يشعر المسلمون إلّا والفرنج معهم في المعسكر ، فقتل الأمير فخر الدين بن شيخ الشيوخ ، وانهزم الناس ، ووصل روادفرنس ملك الفرنج إلى باب قصر السلطان ، فبرزت البحرية وحملوا على الفرنج حملة منكرة حتى أزاحوهم وولوا ، فأخذتهم السيوف والدبابيس وقتل من أعيانهم ألف وخمسمائة ، فظهرت البحرية من يومئذ واشتهرت ، ثم لما قدم الملك المعظم توران شاه أخذ في تهديد شجرة الدرّ ومطالبتها بمال أبيه ، فكاتبت البحرية تذكرهم بما فعلته من ضبط المملكة حتى قدم المعظم ، وما هي فيه من الخوف منه ، فشق ذلك عليهم ، وكان قد وعد الفارس أقطاي المتوجه إليه من المنصورة لاستدعائه من حصن كيفا بإمرة ، فلم يف له ، فتنكر له وهو من أكابر البحرية ، وأعرض مع ذلك عن البحرية وأطرح جانب الأمراء وغيرهم حتى قتلوه ، وأجمعوا على أن يقيموا بعده في السلطنة سرّية أستاذهم.