عنتر للمؤمنين المترجلة ، وكانت كل حارة من هذه بلدة كبيرة بالبزازين والعطارين والجزارين وغيرهم ، والولاة لا يحكمون عليها ، ولا يحكم فيها إلّا الأزمة ونوّابهم ، وأعظم الجميع الحارة الحسينية التي هي آخر صف الميمنة إلى الهليلجة ، وهي الحسينية الآن ، لأنها كانت سكن الأرمن ، فارسهم وراجلهم ، وكان يجتمع بها قريب من سبعة آلاف نفس وأكثر من ذلك ، وبها أسواق عدّة.
وقال في موضع آخر : الحسينية منسوبة لجماعة من الأشراف الحسينيين ، وكانوا في الأيام الكاملية قدموا من الحجاز ، فنزلوا خارج باب النصر بهذه الأمكنة واستوطنوها ، وبنوا بها مدابغ صنعوا بها الأديم المشبه بالطائفي ، فسمّيت بالحسينية ، ثم سكنها الأجناد بعد ذلك وابتنوا بها هذه الأبنية العظيمة ، وهذا وهم ، فإنه تقدّم أنّ جملة الطوائف في الأيام الحاكمية الطائفة الحسينية ، وتقدّم فيما نقله ابن عبد الظاهر أيضا أنّ الحسينية كانت عدّة حارات ، والأيام الكاملية ، إنما كانت بعد الستمائة ، وقد كانت الحسينية قبل ذلك بما ينيف عن مائتي سنة فتدبره.
واعلم أنّ الحسينية شقتان ، إحداهما ما خرج عن باب الفتوح ، وطولها من خارج باب الفتوح إلى الخندق ، وهذه الشقة هي التي كانت مساكن الجند في أيام الخلفاء الفاطميين ، وبها كانت الحارات المذكورة. والشقة الأخرى ما خرج عن باب النصر وامتدّ في الطول إلى الريدانية ، وهذه الشقة لم يكن بها في أيام الخلفاء الفاطميين سوى مصلى العيد تجاه باب النصر ، وما بين المصلى إلى الريدانية فضاء لا بناء فيه ، وكانت القوافل إذا برزت تريد الحج تنزل هناك ، فلما كان بعد الخمسين وأربعمائة وقدم بدر الجمالي أمير الجيوش ، وقام بتدبير أمر الدولة الخليفة المنتصر بالله ، أنشأ بحري مصلى العيد خارج باب النصر تربة عظيمة ، وفيها قبره هو وولده الأفضل ابن أمير الجيوش ، وأبو عليّ كتيفات بن الأفضل وغيره ، وهي باقية إلى يومنا هذا. ثم تتابع الناس في إنشاء الترب هناك حتى كثرت ، ولم تزل هذه الشقة مواضع للترب ، ومقابر أهل الحسينية والقاهرة إلى بعد السبعمائة ، ولقد حدّثت عن المشيخة ممن أدرك ، بأنّ ما بين مصلى الأموات التي خارج باب النصر وبين دار كهرداش التي تعرف اليوم بدار الحاجب ؛ مكانا يعرف بالمراغة ، معدّ لتمريغ الدّواب به ، وأنّ ما في صف المصلى من بحريها الترب فقط ، ولم تعمر هذه الشقة إلا في الدولة التركية ، لا سيما لما تغلب التتر على ممالك الشرق والعراق ، وجفل الناس إلى مصر ، فنزلوا بهذه الشقة وبالشقة الأخرى ، وعمروا بها المساكن ، ونزل بها أيضا أمراء الدولة فصارت من أعظم عمائر مصر والقاهرة ، واتخذ الأمراء بها من بحريها فيما بين الريدانية إلى الخندق مناخات الجمال ، واصطبلات الخيل ، ومن ورائها الأسواق والمساكن العظيمة في الكثرة ، وصار أهلها يوصفون بالحسن ، خصوصا لما قدمت الأويراتية.