يقول : والله إِنكم لتُجَبِّنُونَ وتُبَخِّلُونَ وتُجَهِّلُونَ ، وإنكم لَمِنْ رَيْحَانِ الله ، وإنَّ آخِرَ وَطْأَةٍ وَطِئَها الله بوَجّ.
معناه : إن الولد يُوقعُ أباهُ في الْجُبن ؛ خوفاً من أن يُقْتَل فيضيع ولدُه بعدَه ، وفي البخل إبقاءً على مالِه له ، وفي الجهل شُغْلاً به عن طلب العلم.
الواو في وإنكم للحال ، كأَنه قال : مع أنكم من ريحان الله : أي من رزق الله. يقال : سبحان الله ورَيحانَه : أي أسبّحه وأسترزقه. وقال النمر :
سَلَامُ الإِلهِ ورَيْحَانُه |
|
وَرَحْمَتُه وسَمَاءٌ دِرَرْ (١) |
[وبعده :
غَمَامٌ يُنَزِّلُ رِزْقَ العِبَادِ |
|
فأَحْيَا البِلَادَ وطَابَ الشَّجَرْ] |
وهو مخفّف عن رَيِّحَان فَيْعِلَان من الرُّوح ، لأن انتعاشه بالرزق. ويجوز أن يُراد بالريحان : المشموم ، لأن الشَّمِّامات تسمّى تَحَايَا ، ويقال : حيَّاه الله بطاقةِ نرجس ، وبِطَاقَةِ رَيْحَان ؛ فيكون المعنى : وإنكم مما كرّم الله به الأناسيَّ وحيَّاهم به ، أو لأنهم يُشمّون ويقبَّلون ، فكأنهم من جملة الرَّياحِين التي أَنبتها الله.
ومنه حديث عليّ عليه السلام : أَن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال له : أبا الرَّيْحَانَتَيْن ؛ أُوصِيكَ بريحانَتَيَّ خَيْراً في الدنيا قبل أَنْ يَنْهَدَّ رُكْنَاكَ. فلما مات رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال عليّ : هذا أَحَدُ الرُّكْنَيْن ، فلما ماتت فاطِمَةُ قال : هذا الركنُ الآخر.
الوطأة : مجاز عن الطَّحْن والإِبادة. قال :
وَوَطِئْتَنَا وَطْأَةً عَلَى حَنَقٍ |
|
وَطْأَ المُقَيَّدِ نابت الْهَرْمِ (٢) |
وَجّ : وادي الطائف. قال :
يا سَقْيَ وَجّ وجُنُوب وجّ |
|
واحتلّه غَيْثٌ دِرَاكُ الثَّجِ |
والمراد غَزاة حُنين.
وحُنين : وادٍ قِبَلِ وَجّ ، لأنها آخر غَزاة أوقع بها رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم على المشركين. وأما غَزْوتَا الطائف وتَبُوك فلم يكن فيهما قِتال.
ووجْهُ عطف هذا الكلام على ما سبقه التأسّفُ على مفارقة أَوْلادِه لقُرْبِ وفاته ؛ لأن
__________________
(١) البيت في لسان العرب (روح).
(٢) البيت من الكامل ، وهو للحارث بن وعلة في الدرر ٣ / ٦٢ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٢٠٦ ، ولزهير بن أبي سلمى في لسان العرب ١٢ / ٦٠٧ (هرم) ، وليس في ديوانه ، وبلا نسبة في لسان العرب ١ / ١٩٧ (وطأ) ، وهمع الهوامع ١ / ١٨٨.