فإن النظر أولى بالإصلاح وإيقاع الأُلْفة والوِفاق بينكما ، ويجوز أن تكونَ الهاء ضمير الشأن. وأحرى أن يؤدم جملة في موضع خبر أن.
نعم الإدَامُ الخلّ.
هو اسمٌ لكلِّ ما يُؤْتَدَم به ويُصْطَبغ ، وحقيقته ما يؤَدم به الطعام أي يُصْلَح ، وهذا البناء يجيء لما يُفْعَل به كثيراً ، كقولك : الرِّكاب لما يركَبُ به ، والحِزام لما يحزم به ؛ ونظائره جمَّة.
لمَّا خرج إلى مكة عرض له رجلٌ فقال : إن كنتَ تريدُ النِّساء البِيضَ والنُّوقَ الأُدْمَ فعلَيْكَ ببَنِي مُدْلج. فقال : إن الله مَنَع من بني مُدْلج لِصلَتها الرَّحِم ، وطعْنهم في ألْبَاب الإبل ـ وروى لَبَّات.
الأُدْمَة في الإبل : البياض مع سواد المقلتين.
عليك : من أسماء الفعل ، يقال : عليك زيداً أي ألزمَه ، وعليك به : أي خُذْ به ، والمراد هاهنا أَوْقعْ ببني مُدلج.
الألباب : جمع لبَب ، وهو المَنْحَر ، واللَّبَّة مثله ، وقيل : جمع لُبّ ، وهو الخالص ؛ يعني أنهم ينحرون خالصة إبلهم وكرائمها. ويجوز أن يكون جمع لَبّة (١) على تقدير حذف التاء ، كقولهم في جمع بَدْرَةِ بِدَر (٢) وشدّة أشدّ. وصَفَهم بالكرم وصلة الرحم وأنهم بهاتين الخصلتين استوجبوا الإمساك عن الإيقاع بهم.
[إدد ـ أود] : أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ـ سنح لي رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم في المنام ، فقلت : يا رسول الله ؛ ما لقيتُ بعدك من الإِدَدِ والأَوَدِ ـ وروى من اللَّدد!.
والإِدَّة : الداهية ، ومنها قوله تعالى : (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا) [مريم : ٨٩]. والأوَد : العِوَج. واللَّدد : الخصومة.
ما لقيت بعدك : يريد أي شيء لقيتُ! على معنى التعجب ، كقوله :
* يا جارتَا ما أنتِ جارهْ * (٣)
__________________
(١) اللبة : هي اللهزمة التي فوق الصدر وفيها تنحر الإبل.
(٢) البدرة : هي جلدة السخلة ، وجمعها بدور وبدر (القاموس المحيط : بدر).
(٣) صدره :
باتت لنحزننا عفاره
والبيت من مجزوء الكامل ، وهو للأعشى في ديوانه ص ٢٠٣ ، وخزانة الأدب ٣ / ٣٠٨ ، ٣١٠ ، ٥ / ٤٨٦ ، ٧ / ٢٥٠ ، ٩ / ٢٤٠ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ١٩٣ ، ولسان العرب ٤ / ٦٣ (بشر) ، ١٥٤ (جور) ، ٥٨٩ (عفر) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٦٣٨ ، والمقرب ١ / ١٦٥ ، وبلا نسبة في رصف المباني ص ٤٥٢ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٥٢ ، وشرح شذور الذهب ص ٣٣٥ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٤٧ ، وشرح عمدة الحافظ ٤٣٥ ، والصاحبي في فقه اللغة ص ١٧١.