والشيخوخة منعته مرّة عن الذهاب ، ولمّا وصل في المرة اللاحقة بعد عدّة أيّام من المسير على الأرجل وسلّم وصلى صلاة الزيارة رأى في المنام ان الحسين يقول له : لم جفوتني وكنت لي برّا؟ وهذا يعكس مدى الأهمية التي يوليها الأئمة للزائر مشيا.
قال معاوية بن وهب ، وهو من اصحاب الإمام الصادق عليهالسلام : أتيت الإمام الصادق جعفر بن محمد وهو في مصلّاه فجلست حتّى قضى صلاته فسمعته وهو يناجي ربّه ويقول : «اغفر لزوّار قبر أبي الحسين بن علي صلوات الله عليهما ، الذين انفقوا اموالهم واشخصوا ابدانهم ... فارحم تلك الوجوه التي غيّرتها الشمس ، وارحم تلك الخدود التي تقلّبت على قبر أبي عبد الله ، وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا. اللهمّ انّي استودعك تلك الأنفس ، وتلك الأبدان حتى ترويهم من الحوض يوم العطش».
وهذه السنّة ، سنّة الزيارة مشيا على الأقدام ، كانت منذ زمن الأئمة ولا زالت إلى يومنا هذا ، ونقل انّ لها ثوابا لا يحصى. قال فاضل الدربندى : «انّ الزيارة مشيا اما ان تكون عن فقر الزائر فهي دليل على عمق الشوق والمحبّة ، واما ان الزائر يرى صغر نفسه أمام شمس العصمة والشهادة ، ويتحمّل في سبيله ألم ومتاعب السفر ماشيا ، وكلاهما امر جليل» (١).
وفي العراق هنالك تقليد شائع منذ سنوات متمادية وهى ان الهيئات والمجاميع والقوافل ، صغيرة وكبيرة ، تنطلق في ايام خاصّة من البصرة وبغداد ، ومن النجف على وجه الخصوص متوجهة إلى كربلاء سيرا على الأقدام ، ولا سيّما في ايام الزيارة الخاصّة كزيارة النصف من شعبان ، والاول من رجب ، وايام عشرة محرّم والاربعين حيث تكون اكثر ابهة ورونقا ، ويختار اغلب الناس المسير بمحاذاة نهر الفرات الذي تكون فيه المسافة من النجف إلى كربلاء ١٨ فرسخا ، وتستغرق عدّة أيام ، وكان يشارك في هذه القوافل السائرة مشيا إلى الزيارة علماء كبار من
__________________
(١) أسرار الشهادة لفاضل الدربندي : ١٣٦. (الطبعة الحجرية).