في ملحمة كربلاء كان الصبر مشهودا في القول والعمل لدى سيد الشهداء وأهل بيته وانصاره الصابرين الأوفياء ؛ فلما أراد الخروج من مكة الى العراق القى خطبة قال فيها : «رضا الله رضانا أهل البيت ، نصبر على بلائه ويوفينا أجر الصابرين» (١) ، وخاطب أصحابه في احد المنازل على طريق العراق ليلفت انظارهم الى خطورة الموقف وصعوبة ما هم مقبلين عليه فقال : «أيها الناس ، من كان منكم يصبر على حد السيف وطعن الأسنّة فليقم معنا ، وإلّا فلينصرف عنّا» (٢) ، ولكن أصحابه لم يبدر منهم إلّا ما أحبّ هو من الصبر عند لقاء الاقران ، وتحمّل شدّة العطش ، وهجوم العدو ، والثبات حتى الشهادة مع قلّة الناصر ، بل كانوا في غاية الفرح والسرور ، حتى ان بعضهم كان يمزح في تلك الساعة ويقول : انّي والله مستبشر بما نحن لاقون والله ما بيننا وبين حور العين إلّا انّ يميل علينا هؤلاء بأسيافهم ، ولوددت انّهم مالوا علينا الساعة ، هكذا علّمهم الحسين انّ الصبر جسر للعبور الى الجنّة ، فهو يقول لهم : «صبرا بني الكرام ، فما الموت إلّا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضراء الى الجنان الواسعة والنعيم الدائم» (٣) ، وعلّم درس الصبر حتّى لاهل بيته وعياله ، ودعاهم الى الصبر والتحمل قائلا : «انظروا إذا أنا قتلت فلا تشقّن عليّ جيبا ولا تخمشن وجها» (٤) ، وتحمّلت اخته زينب ثقل هذه الملحمة الدامية ، وكانت كل لحظة من وقائع الحادثة تعبيرا عن المقاومة والثبات ، وحتّى الكلمات الأخيرة التي تلفظ بها سيد الشهداء حين سقط على الارض إنمّا تعكس هذه الروح من الصبر والصمود ، إذ قال : «صبرا على قضائك» (٥).
ـ القتل صبرا ، ثقافة عاشوراء ، حب الشهادة
__________________
(١) اعيان الشيعة ١ : ٥٩٣.
(٢) ينابيع المودّة : ٤٠٦.
(٣) نفس المهموم : ١٣٥.
(٤) اللهوف : ٨١.
(٥) مقتل الحسين للمقرم : ٣٥٧.