للإمام في ساحة القتال هذه ـ والتي تلخصت برفض البيعة للحكومة الجائرة ـ تبدلت إلى طلب جرعة من الماء لشفاهه الذابلة ، أو لفم طفله الرضيع. وعرضت في مجالس العزاء أشعار وقصائد تصوّر زينب والإمام السجاد ومسلم بن عقيل بصور تتنافى مع الروح السامية ، والنفس الآبية لسلالة العزّة والشرف. وحتى الخصومة المتأصّلة عند بني اميّة ضد الدين والوحي والنبوّة ، تحولت إلى عداء شخصي بين الحسين ويزيد ، وتقلّصت رسالة مناصرة الجبهة الحسينية الواسعة على طول التاريخ إلى مجرّد البكاء على عطش ومظلومية أصحاب الكساء. وصار يعرض جسم الحسين المبضّع قبل استعراض افكاره واستقراء منهجه. وحتّى المناوئين لاصل فكرة اقامة العزاء على الشهداء صاروا ممن يدعو لحريّة تلك الشعائر ويروّج لها ، ولكن اذا اقترنت بمسخ حقيقة عاشوراء وفلسفة ثورة كربلاء ؛ بحيث لا يتعارض برنامجها مع حكومات الجور والفسق. وكان هذا أكبر تحريف لمحتوى الثورة ، في حين انّ ثورة التوابين إنمّا تبلورت بعد البكاء على مزار شهداء كربلاء وذكر مظلومية الإمام الحسين. وثار الشيعة في كربلاء بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي مستلهمين مبادئ ثورتهم من ثورة الطف. وعاشوراء في حقيقته كان يفرض تكليفا على كلّ مسلم ، ولا يعني ابدا انّ الإمام أدى واجبا خاصا به وانتهى الأمر.
انّ الاعتقاد بشفاعة سيّد الشهداء ، والايمان بثواب البكاء عليه بالنتائج الحسنة المترتّبة على محبّة أهل البيت صحيحة كلّها. إلّا انّ طرح هذه الامور من جانب واحد جعل الكثير من محبّي اهل البيت لا يرون اي تعارض بين البكاء على الحسين ، وارتكاب المعاصي وهضم حق الناس واهمال الفرائض الدينية ، واملهم في ذلك هو الحسين عليهالسلام حتّى وان غرقوا في الآثام.
كانت للامام السجاد عليهالسلام تلك الروح الحسينية والشجاعة العلوية ذاتها ، وقضت المصلحة الربانية ان يمرض في عاشوراء ويفقد القدرة على القتال ،