كان الموجود عين كونه سوادا ، كان جاريا مجرى قولنا : السواد سواد ، وإن كان مغايرا سقنا ما قالوه هنا.
والأصل في ذلك ، أنّ من يجعل الوجود عين الماهيّة يريد بقوله : «الماهية يصحّ أن تكون موجودة وأن تكون معدومة» أنّ من الممكن أن يحدث ما يسمّى بعد حدوثه تلك الماهية ، ويصحّ أن تعدم تلك الماهية. ومن يذهب إلى المغايرة (١) لا يريد أنّ المعدوم يمكن أن يصير موصوفا بالوجود ، وهو معدوم ، بل من حيث هو هو يصحّ أن يكون موردا للصفتين معا. و (٢) معناه أنّ الماهيّة الموصوفة بالعدم ، يمكن أن تزول [عنها] (٣) صفة المعدوميّة ، وتحدث بعدها لها صفة الوجود.
فقولنا : «السواد يمكن أن يوجد» معناه : أنّ الماهيّة التي لا يعتبر معها وجود ولا عدم ، يمكن أن ينضاف إليها صفة الوجود. وأيضا هذا إنّما يرد على من يقول : «الشيء حال وجوده يمكن وجوده ، أو حال عدمه يمكن عدمه» أمّا من يقول : «الشيء حال وجوده يمكن أن يصير معدوما في الزمان الثاني منه» ، لا يلزم ذلك.
اعترض (٤) باستحالة الإمكان الاستقبالي (٥) ؛ لأنّا إذا حكمنا على الموجود في الحال ، بامكان عدمه في الاستقبال ، فإمّا أن يقال : إمكان العدم الاستقبالي حاصل في الحال ، أو يقال : إمكان العدم الاستقبالي لا يحصل إلّا في الاستقبال ، والأوّل محال ؛ لأنّ العدم في الاستقبال من حيث إنّه في الاستقبال موقوف على حصول الاستقبال ، وحصول الاستقبال محال في الحال ، فحصول العدم في الاستقبال من حيث إنّه عدم استقبالي ، موقوف على حصول شرط محال وهو
__________________
(١) أي مغايرة الوجود للماهية.
(٢) م : «بل».
(٣) م : «عند» ق : «عنه» ، والصواب ما أثبتناه.
(٤) والمعترض على الجواب الأخير هو الرازي. نقد المحصل : ١٠٨.
(٥) ق : «إلى الاستقبالي» ، والزيادة من تصحيف الناسخ.