نفسه ، وهو محال ، فبطل كون الحاجة ثبوتية.
والثاني : ـ وهو أن تكون عدمية ـ محال أيضا ، لأنّها نقيض لا حاجة ، وهو عدمي ، فتكون الحاجة ثبوتية. ولأنّها لو كانت عدميّة ، لم يبق فرق بينها وبين نفي الحاجة ، لامتناع التمايز في العدمات ، لكن لا حاجة نفي للحاجة.
والجواب عن الأوّل (١) : أنّ الحكم بالافتقار ضروري ، وإنّما يجب اشتراك العقلاء في التصديق الضروريّ ، لو اشتركوا في تصوّر مفرداته. وأمّا إذا حصل قصور لبعض الأذهان عن تصوّر أحد طرفيه ، إمّا لنقص في الغريزة أو لغفلة أو لتدنيس (٢) ، تعذّر الحكم الضروري به ، واحتاج إل تمثيل وشبهه ، حتى يحصل له كمال التصوّر ، ولهذا تمثل للشاك في هذا الحكم بكفتي الميزان ، فإنّ نسبة طرفي الوجود والعدم إلى الممكن متساوية (٣) ، كنسبة كفتي الميزان إلى الميزان ، فكما يحكم العقل بامتناع رجحان إحدى الكفّتين على الأخرى بدون المرجح ، كذا يحكم بامتناع ترجيح أحد طرفي الممكن على الآخر لا لمرجّح. فهذا هو السبب في عدم اشتراك العقلاء في الضروريات.
والأصل فيه ما تقدّم : من أنّ التصديقات الضرورية ، قد تتوقف على أسباب وشرائط لا تحصل بدونها ، ولا يثلم فقدانها عن فاقد الأسباب والشرائط كونها ضرورية ، فإنّ البصير يدرك التفرقة الضرورية بين السواد والبياض ، ويحكم على كلّ واحد منهما بأحكام ضروريّة ، لا يحكم بها الأعمى لفقد الأسباب والشرائط ، وهي الإحساس. ولهذا قال متقدم الحكماء : «من فقد حسا فقد فقد علما يؤدّي إليه ذلك الحس». والتفاوت في الضروريّات لا يخرجها عن كونها ضروريّة ، فإنّ فقدها
__________________
(١) راجع كشف المراد : ٧٨.
(٢) كذا في النسخ ، ولعلّ الصحيح : «لتدليس».
(٣) ق وج : «مساوية».