عن البعض ، لمّا لم يخرجها عن كونها ضرورية في أنفسها ، فالتفاوت فيها أولى ، وليس سبب التفاوت منحصرا في تطرق الاحتمال إلى المرجوح ، فإنّ سبب التفاوت في الضروريّات ، قد بيّنا أنه للتفاوت (١) في تصوّر المحكوم عليه أو المحكوم به ، لا في نفس الحكم.
وأجاب أفضل المتأخرين أيضا : بأنّه استدلال (٢) ، بأنّ الممكن ما لم يجب لم يوجد ، وحصول الوجوب بعد أن لم يكن يدلّ على كونه وصفا وجوديا لا عدميّا ، وثبوت الوصف يستدعي ثبوت الموصوف ، لاستحالة قيام الوصف بذاته ، وهذا الموصوف بالوجوب ليس هو الممكن ، لأنّه قبل وجوده معدوم ، والمعدوم يستحيل أن يكون محلا للأمر الثبوتي ، فلا بدّ من شيء آخر يكون محلا لذلك الوجوب ، يعرض (٣) له بالنسبة إلى هذا الممكن ، وذلك هو المؤثر (٤).
اعترضه أفضل المحققين : بأنّ وجوب الممكن المقتضي لوجود الموصوف به ، لا يمكن أن يكون قائما بمؤثره ، لأنّ ذلك الوجوب وصف للممكن ، ووصف الشيء يستحيل أن يقوم بغيره ، والقائم بالمؤثر إن كان ولا بدّ منه ، فهو الإيجاب لا الوجوب.
والحق : أنّ ذلك الوجوب أمر عقلي ، كسائر الصفات ، ويكون قائما بالمتصوّر من الممكن عند (٥) الحكم بحدوثه ، وهذا البرهان مبني على حكم هو «أنّ الممكن ما لم يجب لم يوجد» وهذه القضية لا يصحّ الحكم فيها إلّا إذا علم أنّ كلّ مسبّب فله سبب. وفي قولنا : «ترجّح أحد المتساويين يحتاج إلى مرجح» هذا
__________________
(١) كذا في النسخ ولعلّ الصحيح : «التفاوت».
(٢) م وج : «استدلالي».
(٣) في نسخة من المصدر : «يفرض».
(٤) نقد المحصل : ١١٤. مع تصرفات من العلّامة.
(٥) م : «الممكن عند» حذفا سهوا.