أ : أن يكون ذلك الكلّ موصوفا دائما بأنّ بعضا منه موجود بالفعل وبعضا منه موجود بالقوّة ، فهو صحيح أيضا ، لأنّ الماهية ذات الآحاد المتعاقبة يصحّ أن يقال : إنّ ما تحمل عليه تلك الماهية دائما شيء موجود بالقوّة ، ولا يجوز أن يخرج إلى الفعل بحيث لا يبقى بعده منه شيء بالقوّة ، لكن يبطل باعتبار أنّ الكلّ بما هو كلّ غير موجود حتى يوصف بما هو ثبوتي.
ب : أن يكون ذلك الكل بحيث يكون كلّ واحد من المعدومين منه يكون موجودا بالقوّة بحسب وقت معين ، وإن لم يكن منه شيء بالفعل.
وأمّا الثاني : وهو النظر في تناهيها ولا تناهيها ، فاعلم أنّه يصحّ أن يقال للأشياء التي في طريق التكوّن : إنّها أبدا متناهية بالفعل ، باعتبار أنّها دائما تكون واصلة إلى حدّ معيّن ، فتكون بذلك الاعتبار متناهية ، وإنّها أبدا متناهية بالقوّة ، باعتبار النهايات الأخرى التي بالقوّة بعد النهاية الحاصلة بالفعل ، وإنّها غير متناهية لا بالقوة ولا بالفعل أبدا بالقياس إلى النهاية الأخيرة التي لا يحصل بعدها شيء آخر البتة ، فظهر صدق أنّها متناهية بالفعل ، بالقياس إلى النهاية الحاضرة ، ومتناهية بالقوّة ، بالقياس إلى ما سيحضر ، وأنّها غير متناهية بالقياس إلى نهاية لا نهاية بعدها ، فصحّ أنّ ما لا نهاية لا موجود بالفعل دائما ، أي من جهة أنّه غير متناه إلى نهاية أخيرة وصحّ أنّ ما لا نهاية له موجود بالقوة دائما ، أي من طبيعته دائما شيء بالقوّة لا يخرج إلى الفعل إلّا وتعقّبه شيء آخر.
المسألة الرابعة : في أنّ اللانهاية عدمية (١)
ذهب بعض من لا مزيد تحصيل له ، إلى أنّ اللانهاية من جملة
__________________
(١) راجع الفصل التاسع من المقالة الثالثة من الفن الأوّل من طبيعيات الشفاء ؛ المباحث المشرقية ١ : ٣١٤.