والمشتهى والمغضوب عليه.
لا يقال : تصوّر هذه وإن استلزم تصوّر متعلقاتها ، لكنّ تصوّرها سابق على تصوّر المتعلقات ، فإنا نعقل العلم أوّلا ثمّ بعد ذلك نعقل أنّه لا بدّ له من متعلق ، بخلاف النسب والإضافات ، فإنّه لا بدّ وأن نعقل المنسوب والمنسوب إليه أوّلا حتى يصير تعقّلهما سببا لتعقل تلك الأمور النسبية. فلمّا كانت الكيفية يتقدم تعقّلها على تعقل ما هي منتسبة إليها والإضافات متأخر تعقلها عن تعقل معروضاتها ظهر الفرق.
لأنّا نقول : الفرق وإن كان صحيحا في الحقيقة ، إلّا أنّ عبارتكم لا تفيده ؛ لأنّ حاصله راجع إلى أنّ الكيف هو الذي لا يتوقف تصوّره على تصوّر غيره ، إلّا أن يكون «تصوّره» في قولنا : «ما لا يوجب تصوّره تصوّر غيره» منصوبا (١) ، ويكون «تصوّر غيره» مرفوعا فيلائم تمام الرسم المذكور.
وأيضا (٢) لو حملنا قولكم «ما لا يوجب تصوّره تصوّر غيره» على أنّه ما لا يكون تصوّره معلولا لتصوّر غيره ، فمع هذا كيف يطّرد الرسم في الشكل كالتربيع والتثليث ، وفي خواص الأعداد كالجذرية والكعبية (٣) ، فإنّ التربيع هو الهيئة الحاصلة بسبب إحاطة الحدود الأربعة بالسطح ، فما لم يتقدم العلم بالحدود الأربعة المحيطة بالسطح لا يحصل العلم بتلك الهيئة. فإذن العلم بتلك الهيئة من الكيف وكذا خواص الأعداد ، فيكون تصوّرها معلولا لتصوّر غيرها.
__________________
(١) بأن يكون إعراب الأوّل نصبا على المفعولية والثاني رفعا على الفاعلية.
(٢) اسند هذا الاشكال إلى «الحواشي القطبية» فراجع حكمة العين : ٢٥٩.
(٣) إذا ضرب عدد في نفسه فذلك العدد هو الجذر والحاصل المجذور ، والمربع أيضا. ثم إذا ضرب ذلك الجذر في ذلك الحاصل فما حصل هو المكعب ، فالاثنان جذر الأربعة وكعب الثمانية. شرح المواقف ٥ : ١٦٥.