استناد تقرّر الماهيّات وتحقّقها إلى الفاعل.
الثامن : لو لم يكن المعدوم شيئا وذاتا لصحّ أن يقال : إنّ الله تعالى علم الأشياء ولا معلوم ، لأنّ المعدوم إذا لم يكن شيئا لم يكن معلوما.
التاسع : القادر يريد إيجاد الجوهر وإيجاد السواد ، فلا بدّ وأن يكونا ذاتين حتى يصحّ منه القصد إلى إيجادهما ، ويدعوه الداعي إلى ذلك.
والجواب عن الأوّل : أنّ العلم لا يستدعي الثبوت في الخارج ، بل في الذهن ، فإنّا نتصوّر شريك الباري ولهذا نحكم عليه بالامتناع ، والحكم على الشيء يستدعي تصوّره وكذا نتصوّر بحرا من زئبق وجبلا من ياقوت ، ونحكم بامتياز بعض هذه التصوّرات عن بعض ، وماهيّات الجواهر والأعراض وإن كانت ثابتة ، إلّا أنّ الجواهر الموصوفة بالأعراض غير ثابتة.
ولأنّا نتصوّر وجودات هذه الأشياء ونميّز بعضها عن بعض ، فإنّا كما نميّز بين ماهية الحركة يمنة ويسرة ، كذا نميّز بين وجود إحداهما (١) ووجود الأخرى ، مع أنّ الوجود ليس ثابتا في العدم اتفاقا ، ولأنّه مناف له.
ولأنّا نعقل ماهية التركيب والتأليف قبل دخولهما في الوجود ، مع أنّه لا تقرّر لهذه الماهية في العدم ، فإنّ التأليف عبارة عن اجتماع الأجزاء وتماسّها على وجه مخصوص وذلك غير ثابت في العدم اتّفاقا. وكذا نعقل المتحركية والساكنية قبل حصولهما ، مع أنّهما من قبيل الأحوال ، فقد ظهر أنّ التميّز في التصوّر لا يستدعي ثبوتا في الخارج.
قولهم : المعدوم مقدور فيكون ثابتا.
__________________
(١) أي إحدى الحركتين.