الآخرة ، خلقت ليتزوّد منها ما يصلح للوصول إليها ، فلو تناولها الناس بالعدل انقطعت الخصومات ، وتعطّلت الفقهيّات ، لكن تناولوها بالشهوات فمسّت الحاجة إلى قوانين السياسات. والفقيه هو العالم بها كما أشرنا إليه سابقاً ، فهو وإن تعلّق بالدين لكن بواسطة ، فكما أنّ الحج لايتمّ الا ببدرقة تحرس الحاج عن اللصوص ، لكن الحج شيء وسلوك الطريق إليه شيء ثان ، وحراسة الحاج عن اللصوص ثالث ومعرفة طرق الحراسة وحيلها وقوانينها شيء رابع ، فكذا الحال في الدين ، والفقه منه بمنزلة الرابع.
فإن قلت : لو سلّم ذلك في الحدود والديات والقضايا والشهادات وكثير من المعاملات فلا يتمشّى في الحلال والحرام والعبادات.
قلت : أقرب ما يتكلّم فيه الفقيه إلى أعمال الآخرة الاسلام والصلاة والزكاة والصيام والحلال والحرام.
أمّا الاسلام فلا يلتفت الا إلى اللسان ، والقلب خارج عن حكنه بعزل الرسول أرباب السيوف بمجرّد إقراره به ، فيحكم بعصمة الرقبة والمال بإظهاره ، وهذا لاينفعه في الآخرة ، وإنّما النافع هناك أنوار القلوب وأسرار الغيوب ، وليس من فنّه وإن تكلّم فيه بالتبع.
وكذا يحكم بصحّة الصلاة مع الاتيان بصورة الأعمال والشرائط ، ولو كان غافلاً من أوّلها إلى آخرها ، وفائدتها انقطاع القتل والتعزير في الدنيا ، وليس فيها مزيد نفع كالمسلم لحقن الدم والمال.
ونحوه الصوم.
وأمّا الزكاة فنظره في إبراء الذمّة ظاهراً بدفع السلطان الظاهري عنه ، فلو أخذت منه قهراً حكم بالابراء ظاهراً مع أنها لا تنفعه في الآخرة ، وكما يتوسّل لتحليل كثير من المحرّمات بأنواع الحيل فإنّه يدفع التسلّط الظاهري مع كونه ضاراً في الحقيقة في الآخرة.
وأمّا الحلال والحرام فسنذكر أنّ للورع مراتب ، وإنّما نظر الفقيه في