أدونها التي لايخرج بها عن أهليّة الشهادة والولاية والقضاء أي الاحتراز عن المحرّمات الظاهرة ، وهذه لاينافي الاثم في الآخرة. فإذن نظر الفقيه مرتبط بالدنيا ، وإن كانت الآخرة منوطة بها ، لأنّها مزرعتها. لكنّه أشرف من سائر علوم الدنيا ، كالطبّ والحساب وغيرهما ، لكونه مستفاداً من النبوّة وناموساً إلهيّاً تنتظم برعايته أمور الدارين وبإهماله يختلّ نظام النشأتين ، فلا يستغني عنه أحد في سلوك طريق الآخرة والمجاورته بعلم الآخرة لاتّصال الجوارح بالقلب ومنشأ أعمال الجوارح الصفات القلبيّة ، فمحمودها يصدر عن مجمودها ، ومذمومها عن مذمومها ، ولورود الأمر به الحثّ عليه وعظم شأنه خطره في الأخبار وما يتعلق بالآخرة على ضربين :
أحدهما : وهو الأصل معرفة الله وصفاته وأفعاله ، وأدنى ما يلزم منه على كافة الخلق عيناً معرفة أصول العقائد بدليل إجمالي يطمئنّ به نفسه ولو كان ضعيفاً في نفسه ، ولايكتفي فيها بالتقليد على الأظهر الأشهر ، كما فصّلنا الكلام فيه في أصول الفقه.
ثم فوقه مراتب كثيرة متفاوتة بتفاوت الناس في البهمّة والاستعداد والسعي والاجتهاد ، وأعلاها من حصل له يقين على مثل ضوء الشمس بحيث لو كشف الغطاء ما ازداد يقيناً ، ولايكفي في حصوله مجرّد التعلّم والتعليم والنظر ، لما نرى من اختلافهم فيها مع اشتراكهم في التصديق بأصولها على مقامات ، ضبعضهم يرى كمال المعرفة في المعجز عنها ، وبعضهم يدّعي فيها أموراً عظيمة ، وبعضهم يحدّها بعقائد العوام ، فيحتاج اتّضاح جليّة الحق على الطالب بحيث يجري له مجرى العيان إلى رياضة وتصقيل لمرآة القلب عن صفاته الذميمة ، وهو ممكن كما أشرنا إليه ، الا أنها لتراكم خبثها وصداها بالحواجب الجسمانيّة لاتدرك الا ألفاظاً مسموعة ومعاني مجملة غير متّضحة ، وقد تقدّمت الإشارة إلى ما يشهد عليه من كلام أميرالمؤمنين عليهالسلام وسنزيدك تنبيهاً عليه في فصل اليقين ، فمن لم يقدر على